قُبيل صدور قانون العمل الجديد الذي يطبخ على نار هادئة كما صرحت الحكومة آلاف المرات في ظل احتراق آلاف منتظريه نجد أن قانون العمل رقم /17/ لعام 2010 وقف إلى جانب العامل في كثيرٍ من بنوده، إلا أن تلك المواد بقيت حبر على ورق، واستطاع ضعاف النفوس من أرباب العمل الالتفاف على القوانين، وتجيير بعض بنوده بما يخدم مصالحهم الخاصة، ولعل الانفتاح التي شهدته البلاد قبل الأزمة جعل منها مقصداً لكبرى الشركات العالمية للاستثمار فيها، وكانت للتسهيلات التي قدمتها الحكومة في هذا الإطار أثراً إيجابياً لتشغيل اليد العاملة السورية، وانخفاض معدلات البطالة في البلاد إلى أدنى مستوياتها، وأصبح المواطن يبحث عن الفرصة التي تناسبه من حيث إمكانياته ومؤهلاته والشروط التي تناسبه، ولكن على الجانب الآخر من هذا الانفتاح فُتح الباب أيضاً أمام شركات النصب والاحتيال على المواطنين التي عملت على استغلال اليد العاملة بفرص عمل وهمية، حيث تقوم هذه الشركات بوضع إعلاناتها في الصحف الدعائية برواتب تغري فيها من هم بحاجة ماسة للعمل، أقل ما يمكن أن يُقال عنها في بلادنا بالنسبة لأي وظيفة أخرى بأنه خيالي، وعند المقابلة يكون هناك شروطٍ تعجيزية يغفل عنها المتقدم للعمل بعد أن تُعمى عينيه عند رؤية الراتب الذي يتوقع أن يتقاضاه آخر الشهر، ولنبدأ تحقيقنا هذا بقصص يرويها بعض المواطنين تعرضوا لعمليات نصب من قِبل تلك الشركات قبل أن ننتقل إلى الطرف الآخر المعني بهذه القضية ألا وهم الموظفون الحالمون والباحثون عن فرصة عمل..مواطنون في الشباككنت نائماً عندما رن هاتف منزلي لأستيقظ على صوتٍ عذب يخبرني أني ربحت جائزة كبيرة من قِبل إحدى الشركات، وطلبوا مني عنوان سكني بالتفصيل كي يقوموا بتسليمي الجائزة مع اشتراطٍ مسبق أن تكون زوجتي موجودة أثناء تسليمي الجائزة.. حاولت كثيراً أن أعرف كيف ربحت هذه الجائزة وأخبرتهم أني لم أشترك بأي مسابقة، لكن محدثتي رفضت إعطائي أي معلومة.. ويتابع السيد (عامر) حديثه قائلاً: بما أني كنت عريساً جديداً اعتقدت أن الصالة التي أقمت بها حفل زفافي ستقدم لي هدية كنوع من الدعاية، وفي اليوم التالي جاء مندوب الشركة وأعطاني مكنسة كهربائية شرع يتحدث عن مزاياها لزوجتي بأسلوبٍ متقن حفظه عن ظهر قلب، وفي نهاية الحديث اعتقدت أن هذه المكنسة هي الجائزة قبل أن يقول لي أن سعرها 4000 دولار فقط وأن الشركة ستعطيني إياها لأني فزت معهم بألفي دولار فقط أو ما يعادلها بالعملة السورية، على أن تتحمل الشركة باقي ثمنها، وعندما رفضت العرض حاول بشتى الوسائل أن يحصل مني على أي مبلغ مالي بحجة إمكانية التقسيط أو الدفعات بحسب إمكانياتي لتسلم لي الجائزة عندما أنتهي من سداد الأقساط..فيما تقول السيدة (لما): كنت في أحد مولات العاصمة عندما استوقفني شاب وفتاة وقاما بسؤالي ثلاثة أسئلة تافهة باستطاعة طفل صغير الإجابة عليها قبل أن يخبراني أني ربحت رحلة سياحية إلى بيروت لكن يتوجب علي أن أزورهم في مقر الشركة لتثبيت مشاركتي.. بالبداية انطلت الحيلة علي فعلاً وذهبت إلى منطقة جرمانا حيث مكتبهم لأقابل المدير، وهناك أعاد المدير المزعوم على مسامعي أني ربحت الجائزة لكن يتوجب علي إحضار عشرة أشخاص وبهذا تكون رحلتي مجانية مع شخص إضافي.. فيما يقول الشاب (مؤيد) أنه قرأ إعلان في إحدى الصحف الدعائية عن مكتب يقوم بتأمين فيز وعقود عمل خارج البلاد وفي المكتب المزعوم طلبوا منه مبلغاً كبيراً من المال، ووعدوه بتقديم العمل الذي يلائمه، لكن يتوجب عليه بدايةً دفع مقدَم العقد المبرم مع المكتب سلفاً، وقاموا بإقناعه أن العمل مؤمَّن، وما هي إلا فترة أسابيع حتى يكون في البلد الذي اختاره، ولكي تتم التمثيلية على أكمل وجه اتصلوا به بعد عدّة أيام وقالوا له أن الفيزا قد وصلت، لكن هناك بعض الإجراءات وما عليه سوى أن يحزم أمتعته وينتظر هاتفاً منهم، لكن هذا الهاتف طال انتظاره ما دفع به لمراجعة المكتب ليجده مقفلاً..موظفون وهميون في قفص الاحتيال..تلك الشركات لم تكتفِ بالنصب على المواطنين فقط كما أسلفنا بل جندت موظفون يعملون لديها مجاناً بشروط عمل صعبة وقاسية لاستغلالهم أطول فترة ممكنة كي يستقيل الموظف فيما بعد من تلقاء نفسه ويخرج صفر اليدين..كانت قد خرجت لتوها من المقابلة عندما التقينا بها أمام إحدى تلك الشركات الطالبة لموظفين بغية العمل لديها، ولحسن حظنا أنها انسحبت في آخر لحظة مع ورقة الـ cv المرفق معها شروط العمل التي ستجعلها تعمل مجاناً لأكثر من شهرين بوظيفة مندوبة مبيعات، نذكر من هذه الشروط:1- لا يحق للموظف تقاضي راتبه في الشهر الأول إلا بعد مضي 35 يوم عمل فعلي، أي أن الموظف سيعمل مدة 65 يوم مجاناً، وإن لم يحقق الأهداف المطلوبة منه فلن يقبض راتبه.2- على الموظف التقدم بكتاب خطي قبل ترك العمل بعشرة أيام، وإلا سيفقد كامل مستحقاته.تلك الشروط التعجيزية التي تحدثنا عنها تبدو واضحةً جلية بالنصب والاحتيال التي تمارسها تلك الشركات على الشباب المتعطش للعمل.بالعودة إلى صاحبة الـcv الآنسة (رنيم) والتي حدثتنا عن معاناتها مع تلك الشركة قائلةً: قبل حضوري إلى هذه الشركة كنت قد قرأت الإعلان بشكلٍ جيد والذي يقول: (مطلوب سكرتيرة ومحاسبة لشركة تجارية في دمشق) وهناك حاولت أن أسأل عن طبيعة العمل وساعات الدوام ومقدار الراتب الذي سأتقاضاه، لكن أحداً لم يعطنِ أي جواب، وطلبوا مني الانتظار لبضع دقائق والتي استمرت لأكثر من ساعة، في الوقت الذي كانت عدة فتيات يخرجن من غرفة المدير ويحملن حقائب كبيرة، حاولت سؤالهن عن طبيعة العمل المسند إليهن لكن محاولاتي باءت بالفشل حتى لحقت بإحداهن وسألتها خارج المكتب عن طبيعة عملها فأجابت: (مندوبة مبيعات) وعندما قلت لها بأنني سأتقدم لوظيفة سكرتارية قالت لي ضاحكةً: جميعنا تقدمنا لوظيفة السكرتارية.. هذا ليس إلا فخ يا عزيزتي، لكن الحاجة تجبرنا على هذا العمل..فيما قال (محمد): أخبرني صديقي في أحد الأيام أنه وجد عملاً في أحد فروع شركة عالمية افتتحت لها مكتباُ في دمشق براتب 300 دولار شهرياً مع قابلية الزيادة، وراح صديقي يتحدث عن مزايا الشركة وخدماتها وأنه استفاد منها كثيراً، وبما أني أعز عليه يريد أن يجعلني أستفيد أنا أيضاً.. في مقر الشركة قابلت فتاةً حسناء راحت تغريني بمعسول الكلام عن المبالغ المالية الكبيرة التي سأجنيها خلال فترة زمنية قصيرة، لكن يتوجب علي بدايةً دفع مبلغ 400 ألف ليرة سورية أو ما يعادلها بالعملة الصعبة، وسأبدأ بقبض الراتب بعد شهرين من الآن، وقد دفعت إلي بأوراق العقد وطلبت توقيعي عليها بعد أن أخذت المبلغ الذي طلبته، ثم قالت لي: أنه يتوجب علي الآن إحضار أشخاص آخرين (اثنان على الأقل) لينضموا إلى الشركة وإلا فلن تقبض قرشاً واحداً.. غضبت من صديقي لأنه ورطني، وعلمت أنه استفاد من توريطي، لكني في ذات الوقت بت أبحث عن من أورطه مثلي كي أسترد نقودي على أقل تقدير، ومضت الأيام وتبعتها شهور ولم أقبض قرشاً واحداً، وعندما سألنا (محمد) لما لم تتقدم بشكوى للجهات المعنية أجاب: سيقولون لي بكل بساطة القانون لا يحمي المغفلين، لذلك لن أتعب نفسي وعوضي على الله..نقطة نظامالحاجة إلى العمل في ظل هذه الظروف الصعبة دفعت بالعديد من الشبان إلى الوقوع في براثن تلك الشركات الوهمية التي قد تعمل بترخيص أو بدون، وقد ظهرت تلك الشركات بكثرة في الأعوام الأخيرة وبأسماء عديدة غالباً ما يتم تغيير المقر واسم الشركة من حينٍ لآخر..هذا ويُذكر أن الجهات المختصة قد ألقت القبض على العديد من العملاء والأشخاص المتعاملين مع تلك الشركات وخاضوا تحقيقات كثيرة قبل أن يكتشفوا أنهم كانوا ضحية عملية احتيال وقعوا في حبائلها تحت تأثير المبالغ الضخمة التي ستقدمها لهم تلك الشركات، لكن يجدر بنا القول أنه من الطبيعي أن ينساق شبابنا وراء تلك الشركات كونهم يحتاجون إلى أعمال تؤمن احتياجاتهم، ومن الطبيعي أكثر أن تنشط تلك الشركات في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد وتنكشف مطامعهم الغير أخلاقية باستغلال الناس وتوريط شبان يمثلون طاقات بشرية لمستقبل سورية الجديد، ومن هنا يتوجب على الحكومة تكثيف حملاتها ومراقبة تلك الإعلانات في الصحف الإعلانية لمنع وقوع مزيد من الضحايا في شباك تلك الشركات الوهمية.. أو أن يقوم مكتب التشغيل بإجبار تلك الشركات على إعلامه بتلك المسابقات وإلزامه على إبرام عقود مع أولئك الشبان كشرط أساس قبل نزول الإعلان في أي وسيلة إعلانية وتسجيلها في التأمينات حسب العقد المبرم ضمن ضوابط معينة منعاُ للاحتيال والنصب على الشباب المتعطش للعمل..سورية الحدث - بقلم محمد الحلبي – رولا نويساتي
التاريخ - 2016-05-03 7:53 PM المشاهدات 1587
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا