كل فترة يجري لعبٌ بسعر صرف الليرة لتقفز بشكل كبير وهلع وخوف، فيقوم المركزي ب(إجراءات) تخفّف سعره، ولكن بالقدر الذي يحقق الارتفاع المرغوب...يخطئ من يظن أننا لا نعلم مدى الانعكاسات الاقتصادية للأزمة الطويلة الخانقة الممتدة لخمس سنوات ونيف، واللاحقة لنهج اقتصادي مبرمج لتهشيم البنى الاقتصادية والاجتماعية، وتحطيمها، ويخطئ من يعتقد أننا لا نراعي بمجهرنا الظروف كافة والضغوط المحيطة بأصحاب القرار، ولكن يخطئ أكثر من يظن أننا قد نقبل بغضّ الطرف وعدم تسليط الضوء، حين نشعر أو نرصد ثغرة أو تهاوناً او انحرافاً لأيٍّ كان، خصوصاً إذا كان يتسبب في زيادة المعاناة والجوع والعوز والألم وفقدان الأمل.موضوع الأسعار والدولار أصبح المسلسل اليومي أو الكابوس الدائم الذي يحاول حرف مسار المعركة عن طريق النور المستمد من الانتصارات المتلاحقة للمؤسسة العسكرية، المدعومة بصبر الشعب السوري النادر الوجود، الشعب السوري الذي أصبح أغلبه ضمن دائرة الفقر، ونصفه تحت خط الفقر في وضع يحزن له كل إنسان حقيقي، ولكن هذا الوضع لم ينعكس على تجار الأزمة ومأجوري البرامج الدولية وعابدي الأموال، بل زادهم قسوة ومغالاة في فرض الظروف المولدة لأموال وثروات على حساب الدم والعرض والأرض..هذه الأزمة استغلها البعض لفرض النموذج الاقتصادي والنهج الاقتصادي الذي عجزوا عنه سابقاً، لوجود طبقة صلبة لا تقبل التنازل عن مكاسبها التي قلما حصلت عليها طبقة في بلدان أخرى، فاستغل الدم تجاره لتقويض دور الدولة وتخسير القطاع العام ومؤسساته التدخلية، وترك السوق لحيتانه من دون أي متابعة أو مراقبة.لن نعيد الكلام عن سيرورة الدولار خلال الأزمة، فهي تعرّي سياسة الإدارة المالية التي لم تبذل جهداً لفرض رؤيتها، وللمحافظة على السعر الحقيقي، وعلى الإدارة الواقعية العقلانية، وإنما تركت للسوق السوداء الدور الرئيسي في قيادة معركة الدولار، المعركة من طرف سوق يجب أن لا تكون في الظروف الطبيعية، فكيف بالظروف الاستثنائية التي يراهن بها على الإسقاط الاقتصادي، بعد عجزهم عن الاسقاط العسكري...وقبل البدء بإعطاء الحلول نتكلم عن المستفيدين من الدولار المرتفع..وعن الأجواء قبل الارتفاع الأخير للدولار وللأسعار..قبل فترة من الارتفاع توجهت مكاتب الصيرفة للتخلص مما لديها من دولارات، لتفريغ السوق منها بسعر نحو 495 ليرة لكل دولار، وترافق ذلك مع السماح للتجار بسحب بضائعهم المقدرة بنحو 40 ألف حاوية، وكذلك حملة لشراء الذهب من السوق، لعدم إعطاء هذا المعدن الفرصة للاكتناز لعدم الضغط على الدولار، وحتى هذا المعدن أدخل بلعبة السوق السوداء، وترافقت هذه السلوكيات بحملة لصفحات المضاربين غير المواجهة من الإدارة النقدية، للتخويف من ارتفاع كبير للدولار جعل شرائح كثيرة تسارع لشرائه بالسعر الذي فرضه المضاربون، وبالتالي أصبح الجو النفسي العام في هلع وخوف كبير زاد من حجم الطلب في ظل عرض محدّد ومسيطر عليه، وهنا كانت الضربة الموجعة للشارع السوري، وخاصة أن هذا اللعب بالدولار ترافق برفع فوري للأسعار، وخاصة السلع التي احتكرتها قلة، بعد أن سحبت الدولة ومؤسساتها اليد من التدخل بها استيراداً أو بيعاً أو دعماً،هذه السلوكيات الدولارية والسعرية فرغت العقول والصدور من نشوة الانتصار الذي حققته المؤسسة العسكرية في تدمر، وكأن مسلسل التفريغ يحصل مع كل انتصار عسكري! ومسلسل رفع سعر الصرف لا يفرق بين نصر أو سيطرة للإرهابيين، وهنا الحالة النفسية لا تؤثر إلا كما يريدها البعض، والسؤال المطروح: من يستفيد من اللعب بالدولار أو سعر الدولار المرتفع لنقترب ممن يعرقل سعراً واقعياً وازناً وعادلاً؟!أول المستفيدين هم المضاربون الذين فرغوا كل أدوات المواجهة والتأثير ليصبحوا اللاعبين الوحيدين، بعد مواجهات وتصديات من المؤسسات المختصة التي حاولت لعب الدور الذي غيب عن الإدارة النقدية، هؤلاء المضاربون ابتاعوا الدولارات بكميات كبيرة جداً منذ بدء الأزمة، عندما فرّط المركزي بكميات كبيرة وصلت إلى مليارات طمعاً بالربح بالليرة التي كان فوائض المصارف منها نحو 685 مليار ليرة سورية.من لديه أقارب بالخارج يقبضون بالعملة الصعبة ويحوّلون له، وهؤلاء يحاولون التحويل غير النظامي عبر الوسطاء، لأن التحويل من هذا النوع يعطيهم مبالغ أكبر. من يجلب المقاتلين ويقبّضهم بالليرة السورية، برواتب تعطيهم تمييزاً عن المؤسسات النظامية.من يتعامل مع المنظمات الدولية والسفارات ويقبض بالعملات الصعبة. من يسكن في الأماكن التي لا تسيطر عليها الدولة السورية. من يرتبط بمشاريع خارجية لفرض الحل السياسي الذي يعطيه مزايا ومكاسب ويحقق للدول الداعمة له الشروط المحققة لمصالحها. وتبقى بعض الفئات التي تتقاضى رواتب مرتفعة وورثة الفساد خارج نطاق المعاناة والآلام، وإنما هي فئة المضاربات والدولرة المستمرة.والمتضرر هو سورية بشرفائها ووطنييها وغالبية سكانها من نازحين وعاملين وعاطلين، بانخفاض القيمة الشرائية لرواتب متآكلة كانت تساوي نحو 500 دولار، وأصبحت لا تساوي 50 دولاراً، وفي ظل تضخم كبير وصل إلى نحو 1000% لبعض السلع، ويبقى السؤال الأهم: ما العمل؟ ولماذا الاستكانة لبعض الضخ الإعلامي الذي لا يلبث أن يخمد، ثم يصل المركزي إلى رفع السعر كما يريده..هناك جملة سياسات قادرة على الإحاطة والعودة بالسعر إلى ما يناسب الدولة ومواطنيها، ولا يمكن الوصول إلى هذا السعر في ظل تفرّد الإدارة النقدية وعدم التعاون مع المؤسسات الأخرى، وخاصة لبلورة جداول مشتركة لتمويل الأهم مما تحتاجه البلاد من أغذية وأدوية، وفق أولوية تتناسب مع الكمية المعروضة من الدولارات وعدم الضغط الكبير المركب، وكذلك لا يمكن السير بهذه الخطط من دون تجفيف السوق السوداء بعقوبات قاسية تصل إلى المؤبد أو أكبر، وخاصة أن من يعمل بها معروف ومحمي من بعض ضعفاء النفوس، ولا يمكن الوصول إلى حل كهذا في ظل التعامي وغض الطرف عن بضع صفحات تلعب بالسوق، وعدم الاستفادة من إمكانية ملايين السوريين الشرفاء للعب على الحالة النفسية، ولا يمكن أيضاً الوصول إلى حلول في ظل السياسة الحالية لضخ الدولارات إلى مقرّبين ومحسوبين، لعدم إعطاء هذا التصرف أي تأثير على السعر. إن اللعب على الموضوع النفسي أمر في غاية الأهمية بسبب الكوارث التي حصلت، إذ كانت الإدارة النقدية على علم بها وقادرة على مواجهتها. إن عدم إقدامها على الفعل المناسب يجعل تغييرها ضرورة حتمية، بعد أن فُقدت ثقة المواطنين بهذه الإدارة. ويبقى موضوع الدول الصديقة والداعمة غامض في ظل عدم أخذه المدى الذي تحتاجه البلاد، وفي ظل اعتماد أشخاص بدلاً من المؤسسات، وفي ظل عدم تقليدها بعض الدول التي سارعت لحماية عملات حلفائها عبر ودائع ائتمانية طويلة الأمد. ويبقى موضوع الدولار محورياً لوحدة سورية وشعبها، وبالتالي لا بد من جهد جماعي يثبت وطنية القائمين به، وعند امتناع الدول عن الإيداعات الدولارية يجب أن تكون الإيداعات المحلية علنية ممن كوّن ثروته من هذه البلد وممن ثبت وطنيته خلال الأزمة، ومن المغتربين الذين ما بخلوا وما وفروا جهداً لتطوير بلادهم وتنميتها. إن التقليل من الطلب والعرض الأكبر هو بداية العودة القوية، التي لا يمكن الولوج إلى مرحلة الاستقرار وبداية الانطلاقة الجديدة من دونها ومن دون إعادة النظر بالأسعار، ومواجهة حيتان الفساد ومحتكري أكل العباد، وهنا لابد من تفعيل دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ومؤسسات التدخل ومؤسسات التجارة الخارجية وتفعيل دور مراقبة الأسعار ومواجهة من يلعب بها ويتحكم بها..إن الدم السوري غالٍ، ومن يلعب بلقمة عيش المواطن يتماهى مع المشروع الغربي لتقسيم سورية وتشتيت شعبها، ويتاجر بالدم الغالي الذي لم ولن نقبل بأن يُلعب به.الحدث - النور
التاريخ - 2016-04-19 11:04 PM المشاهدات 860
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا