شبكة سورية الحدث


التضخم ضريبة؟ ضرب تحت الحزام

في العام الماضي كتبت زاوية عن زيمبابوي وإشكالية ارتفاع الاسعار فيها.. اليوم سنتحدث عن يوغوسلافيا التي تفتتت في بداية التسعينيات ولم يبق منها سوى صربيا والجبل الاسود واستنزفت احتياطات القطع الأجنبي وفرضت قيودا على المواطنين عند رغبتهم بصرف ما أودوعوه من عملة اجنبية في المصارف. ولم تستفد الدولة من خلق منافذ التدخل الإيجابي التي نادرا ما كانت تلتزم بالسياسات العقيمة للخفض المعلن للأسعار ومعظم السلع كانت تجد طريقها للسوق السوداء. وتميز الوقود في تلك السنوات بانتشار عبواته على جوانب الطرق الرئيسية ونضوبها في المحطات الرسمية. فحاول السكان التحول إلى النقل العام الذي انخفض أسطوله من 1200 باص إلى 500 بسبب نقص الموارد المتواصل مع صعوبة تحصيل التعرفة من قبل جابي الباص بسبب الازدحام. ومع نقص الوقود توقف أو تباطأت حركة الشاحنات والاسعاف والمطافئ وتجميع القمامة وحرم المزارعون من الوقود اللازم للزراعة والحصاد. وزادت مشاكل المجاعة ونقص الموارد وسوء التنظيم والحفر بالطرقات ومشكلة انخفاض قيم التحصيل اللاحق لفواتير الماء والكهرباء والاتصالات والضرائب وأعمال البناء وزيادة البطالة وأعباء انتظار مقاصة المدفوعات؛ ولم يحلها إلقاء اللوم على العقوبات والحصار الغربي كما لم تحلها إجراءات الحكومة باستخدام رصيدها من القطع أو وضع إجراءات وضوابط إدارية لمعرفة المتجاوزين المزعومين لتعليمات الحكومة ولم تنفع عمليات تقنين الكهرباء كما أن اقتراح الدينار الجديد بقيمة تعادل مليون دينار قديم (ولاحقاً مليار وبعدها أكثر) لم تنفع بتاتا بل زادت الاسعار في عام 1995 عما كانت عليه في 1993 لتصل إلى 5 ملايين مليار ضعف! فتحطمت البنية المجتمعية وأصبحت السرقة أمراً طبيعياً فنهبت المشافي وغيرها وأصبحت واجهات الأبنية المسروقة معارضا لبيع ماسرق منها. ووكانت الدولة تجد صعوبة في تسديد رواتب المتقاعدين الذين كانت قدراتهم الاستهلاكية تتآكل كلما تأخر قبض مرتباتهم إلى اليوم التالي. فحل المارك الألماني مكان العملة الوطنية في ظل ارتفاع يومي للأسعار بنسبة الضعف.ولم تكن هذه الظواهر حالة فريدة ليوغوسلافيا فقد مرت بها العديد من البلدان بطريقة أو أخرى. ومنها من وجد الطريق بقبول الدولرة (غالباً ما يتم على حساب الشعب). ومنهم من وجد برامج الإصلاح الحقيقي التدريجي (وما أكثرها لمن يرغب بنفض الغبار عن الكتب وتجارب الماضي في ظل حروب أو أزمات حقيقية أو لا). وهي برامج توقف سحق إمكانات الناس في مدحلة التضخم؛ وتجعل الساسة الاقتصاديون مسؤولين فعلياً وليس شكلياً أمام الشعب (مصدر السلطات) على أمل إجبارهم على الامتناع عن ارتجال القرارات والتوقف عن سياسات التجريب... وإلا ستجد الدول التي تعتقد بأنها في مأمن من مثل هذه السيناريوهات نفسها في عين الإعصار الاقتصادي وهو الأشنع من حيث القوة التدميرية.يتبع...سورية الحدث - صفحة الدكتور دريد درغام - 
التاريخ - 2016-04-17 11:49 PM المشاهدات 881

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا