إذا أردت أن تكون صياداً ماهراً، فعليك أن تتمكن من إغراء فريستك بطعم محكم أو بشباك جاذبة، وهكذا كان في شرقنا الأوسطي، فتحت غطاء الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وباسم شعارات براقة، بدأت تهبّ علينا سموم (الربيع العربي) الفتاكة، وتعصف بنا أعاصيره الدموية...ولو عدنا أدراجنا قليلاً إلى زمن ليس بالبعيد في عدّاد التاريخ، وتحديداً إلى العام 1983م، حين وافق الكونغرس الأمريكي بالإجماع على مشروع صاغه المستشرق البريطاني الأصل, الصهيوني الانتماء, الأمريكي الجنسية برنارد لويس، هذا المشروع والذي أُطلق عليه اسم "حدود الدم" يهدف إلى تقسيم المقسم وتفتيت المفتت من الدول العربية والإسلامية، وعلى أساس ديني ومذهبي وطائفي...ثم جاء التصريح الشهير لوزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس لجريدة واشنطن بوست الأمريكية؛ حين أعلنت رسمياً بتاريخ 9/4/2005، نيّة الإدارة الأمريكية بنقل الدول العربية والإسلامية من العهد الديكتاتوري إلى العصر الديمقراطي؛ لتشكيل ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد، مصرّحة وللمرة الأولى أن أمريكا ستلجأ إلى نشر الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط لنشر الديمقراطية والحرية في تلكم الدول...إن مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه بمساعدة الكيان الإسرائيلي والدول الغربية، يشكّل مشروعاّ مضاداً لمشروع وحدة الدول العربية، ويقوم على أساس التقسيمات الديمغرافية (الدين القومية والمذهبية)، ولابدّ فيه من سفك الدماء للوصول إلى هذه الغاية. وإن أردنا التوغّل أكثر لمعرفة حقيقة ما يجري، علينا تتبع خطوط اللعبة في المنطقة منذ زمن بعيد، لندرك ما ينصب لنا من شرك، ويحاك لنا من تدبيرات ومخططات، فنحاول قراءة الحاضر، وربطه بالماضي، لاستقراء المستقبل، إذ أن المنطقة الآن باتت على مفترق الطرق، إن لم نقل على شفير الهاوية في حال عجزنا عن صدّ ما يخطط لنا...فإذا لم ندرك أبعاد الأحداث الدائرة الآن في المنطقة، وإن لم نتحسّس حرارة حمم البركان الذي أثارته السعودية مدفوعةً من أسيادها، حين قامت بإعدام الشيخ نمر باقر النمر رجل الدين البارز في المملكة – في هذا الوقت بالذات – وألحقت ذاك الحدث بتصعيد التوتر في العلاقات مع إيران، على خلفية الاحتجاجات والمظاهرات التي قامت في مدينة مشهد الإيرانية تنديداً بإعدام الشيخ النمر، فإننا مقبلون حتماً على سايكس بيكو جديد، لتقسيم المقسم وتفتيت المفتت، على أسس مذهبية طائفية في خطوة ماراثونية للوصول إلى شرق أوسط جديد، فالشيعة تردّ بالشجب والتنديد، وأما السنّة بالدعم والتأييد، وهكذا تنجّر المنطقة لنيران التجييش والتصعيد... إنه انجرار الفريسة لشرك الصياد، وهي ربما الورقة الأخيرة والمحاولة اليائسة للولايات المتحدة الأمريكية ممثلة بالسعودية أحد أهم أدواتها الطيّعة والمطيعة في المنطقة، لمساعدتها على تنفيذ مخططاتها وأجندتاها وتحقيق مآربها...وهنا لا بدّ من استنهاض أعلى درجات الوعي والنضج السياسي، لتجاوز هذه المحاولة والتغلب عليها، وعدم السماح لنيران الطائفية والمذهبية التي زادت في إضرامها السعودية، فلا ندع ألسنة تلك النيران تحرق نفوسنا، ولا أن يشوّه لظاها تفكيرنا ويطال عقولنا، ولا نسمح لأدخنتها بأن تعمي عيوننا، بل علينا أن نكون أكثر حدّة في البصر والبصيرة، كما يجب أن نسمو بتفكيرنا ونرتقي بوعينا، رابطين فيما بين الأحداث التاريخية القريبة فالبعيدة، لندرك حينها القاسم المشترك الذي يجمع فيما بينها، ونلتمس طريق النجاة للخروج من شرك متاهاتها، حتى لا يقع المحظور والذي سوف يكون الأشد خطورة والأكثر فتكاً لبلدان منطقتنا وشرق أوسطنا.لـينـا أنـطــون
التاريخ - 2016-03-16 4:27 PM المشاهدات 760
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا