رغم أن موضتها لم تعد كما كانت وتراجعت شعبيتها بفعل عوامل عديدة، ما تزال تلك العبارات الجذابة التي يخطّها بعض السائقين على سياراتهم مدعاة لابتسامة خفيفة ترتسم على وجه من يراها، ووسيلة جذب فعالة أو طريقة لفت انتباه يعتمدها من يكتبها على عربته أومركبته، وقد تكون عند آخرين أداة لرد العين والحسد أو باباً من أبواب التفاؤل، وربما “أبو تيسير” سائق التكسي الذي رافقناه في توصيلة بسيارته “الكيا” أحد هؤلاء الأشخاص الذين يتفننون في خط تلك العبارات على سياراتهم وبهرجتها بالكثير من الاكسسوارات والحلي وأدوات الزينة، وللرجل بحسب ما أوضح أسبابه الخاصة في استخدامها.لكل في الحياة حكمة تروق له ويرغب أن يشاركها مع الآخرين يبرر “أبو تيسير” ما خطه على شباك سيارته الخلفي (عاشر السبع ولو أكلك ولا تعاشر النذل ولو حملك)، ويقول مستطرداً ليست العبارة التي كتبتها على سيارتي وحدها من يجذب الركاب والزبائن، فالاهتمام بالسيارة من الداخل ورائحتها العطرة وفرشها الجلدي النظيف، ومعاملتي اللطيفة مع الزبائن أسباب إضافية تجعل سيارتي خياراً مفضلاً في طلبات التوصيل، ورقماً صعباً مع السيارات المنافسة الأخرى، وحال “أبو تيسير” حال سائقين كثر، يزينون سياراتهم ويبتاعون كل متطلبات بهرجتها من محلات الاكسسوار في منطقة الفحامة التي يتوفر فيها كل ما يلزم، فالسيارة بالنسبة إليهم صديقة دائمة في العمل والسفر، ومورد رزق يستدعي الاهتمام بها، لذلك فهم يخطون تلك العبارات التي تعبر في أحيان كثيرة عما يريدون قوله، يؤكد نضال، وهو سائق ميكرو آخر، التقيناه أن بعض تلك الملصقات تكون ضرورية داخل المركبة لتنبيه الركاب إلى بعض تفاصيل السيارة مثل فتح الباب تلقائياً (أنا الباب الآلي بفتح وبسكر لحالي) أو التنبيه إلى منع التدخين، ويتساءل ما الضير أو الإزعاج في بهرجة السيارة أو تزيينها أو تعليق الخلاخل لحمايتها من العين!!في ذهن عبد الرحيم وهو – سائق آخر تحدثنا معه- أفكار لكتابات كثيرة وحكم يمكن أن يزين سيارته بها، لكنه بغنى عن مخالفة تصل لـ 1000 ليرة مع “بوسة شوارب” واعتذار من الشرطي على حد تعبيره، وهو ما جعل سيارة هذا الرجل نظيفة من أي ملصقات أو كتابات أو ملحقات إضافية، ويبدو أن الانحسار التدريجي لتلك الموضة بدأ مع تشديد الغرامة في قانون السير والمركبات الذي حظر في بابه العاشر الخاص بالعقوبات وضع الملصقات أو الكتابات، حيث يعاقب بغرامة مقدارها /1000 / ل.س وبإزالة المخالفة كل من يكتب عبارات أو يضع ملصقات مهما كان نوعها أو شكلها أو مضمونها داخل أو خارج السيارة عدا السيارات المرخصة، وربما تكون الأزمة التي عايشناها في السنوات الماضية من الأسباب الإضافية التي صرفت اهتمام السائقين عن إضافة تلك العبارات بعد أن شغلت هموم الحياة وأعباؤها التي تضاعفت أذهان الناس عن مظاهر كثيرة تدلل على البهجة أو الفرح.تبرر الباحثة الاجتماعية خيرية أحمد تلك الكتابات بأنها تعبير عما يجول في داخل أصحابها من أفكار وغالباً ما تستخدم للفت الانتباه أو جذب الجنس الآخر، حيث يلاحظ أن بعض تلك الجمل والألفاظ شعبية تخلو من أي حكمة أو كلام مفيد، وبحسب أحمد يمكن أن تكون الغيرة والتقليد من الأسباب الإضافية التي تدفع لانتشار تلك الكتابات أو رواجها، أما إذا كانت العبارات غير مألوفة وفيها أذى للنظر أو للسيارة فالأغلب أن يكون صاحبها ذا شخصية سيكوباتية أنانية ولديه مشكلة نفسية، والملاحظ أيضاً أن بعض الأشخاص يستخدمون تلك العبارات للحصول على تقدير من الآخرين، ويكون عندهم شك وانخفاض بتقدير الذات وقلة ثقة بالنفس، وأحياناً أخرى تعكس هذه العبارات أو تدلل على أفراد انبساطيين يحبون المرح والضحك في حياتهم، لكن المؤسف، كما تختم أحمد، أن هذه العبارات في كثير من الأحيان قد تتسبب بالحوادث المؤسفة حين تلفت انتباه من يقرؤها.وأياً يكن من أمر قانون السير أو التحولات الطارئة في طبيعة حياة السوريين، فما تبقى من بعض تلك العبارات التي تصدفنا بين الحين والآخر يؤكد ثقافة شعبية ما زالت تستقطب الكثير من السائقين، لتعدد العبارات، وفي بعضها ما يضحك ويلفت الانتباه فعلاً، كالعبارات التي يعرفها الكثيرون: “لا تلحقني مخطوبة، من ظلم البشر عشقت السفر، دلوعة أبو عبدو”.. إلى آخر ما تجود به تلك الثقافة الشعبية المتنوعة.
التاريخ - 2016-03-05 1:01 AM المشاهدات 5055
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا