سورية الحدث _ خاص.
كتب الدكتور محمد الجبالي :
تحرير المجتمع من إرثٍ ثقيل ممتد لعقود هو المهمة الأصعب، فهو ليس مجرد إزاحة نظام أو تغيير سلطة، بل هو مواجهة مباشرة مع جذور الفساد التي تغلغلت في النفوس والعقول
إنه تحدٍ يتطلب جهودًا جبارة وأضعاف ما يُبذل في إسقاط أي نظام سياسي.
كيف تُقنع من ترك عائلته تُعاني وجعلها تبحث عن بقايا أمل بين أطلال الألم، بينما هو يركض وراء بناء مكسبٍ شخصي ولو كان غير قانوني؟
ذلك الرجل الذي يُهرول لبناء كشك مخالف على أحد أرصفة المدينة ، كيف تُعيد له البوصلة الأخلاقية وتُقنعه أن الأولويات ليست كما يظن؟
كيف تُقنع من كانت سلطته مؤقتة، تحكّم فيها بأرزاق الناس وحياتهم، أن يعود إلى حجمه الحقيقي؟
ذلك الحارس الذي كانت يوميته 200 ألف ليرة لأنه يملك سلطة الدخول والخروج في دائرة حكومية، كيف تُقنعه أن راتبه الرسمي هو ما يستحق، وأن استغلال السلطة لم يكن يوماً طريقاً مشروعاً؟
كيف تُقنع تاجرًا تضاعفت أرباحه على حساب الناس أن يرضى بهامشٍ أقل من الربح؟
التاجر الذي جعل من أسعار الزيت والبيض والموز لعبةً يومية لتحقيق ربحٍ صافي بملايين الليرات ، كيف تُقنعه أن استغلال احتياجات الناس ليس مهارة، بل عارٌ أخلاقي؟
كيف تُقنع طبيبًا صنعته الظروف لا الكفاءة أن يتواضع؟
طبيب درس جيدًا، لكنه وجد نفسه مديرًا فقط لأنه كان في المكان المناسب اعتاد على أن يُشرف على أطباء أعلى منه علمًا وأعمق خبرة، كيف تُعيده إلى حجمه الحقيقي وتُقنعه أن المنصب ليس ملكًا له بل مسؤولية تتطلب استحقاقًا حقيقيًا؟
كيف تُقنع مدرسًا استغل مكانته ليُصبح رمزًا زائفًا في عيون طلابه؟
ذلك المدرس الذي باع الامتحانات وأوهام التفوق، وتحوّل إلى موجّه اختصاصي بالتملّق والنفاق، كيف تُقنعه أن التعليم رسالة وليس تجارة؟ أن مكانته العلمية والإدارية زائفة إن لم تكن نابعة من علمٍ حقيقي؟
ما حدث بالفعل هو “الجهاد الأصغر”؛ التخلص من النظام الفاسد الذي كان جاثمًا على صدور الجميع .. لكن ما ينتظرنا هو “الجهاد الأكبر”؛ الجهاد الذي يجب أن يُطهّر النفوس والعقول من آثار هذا الإرث الثقيل.
المهمة ليست سهلة، لأننا بحاجة إلى تنظيف اخلاقي في اخلاقيات المهنه .. الكارثة الحقيقية ليست في ضخامة المهمة، بل في احتمال أن نفشل فيها. حينها، سنعود إلى نقطة البداية، وربما أسوأ.
الجهاد الأكبر هو حربٌ أخلاقية بقدر ما هو بناء اجتماعي وسياسي .. نسأل الله ان نكون على قدر هذا التحدي؟
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا
