"ضريح مذكّرات"
هل تعرفون الفرق بين الكاتب وغيره... غيره من عازفٍ مغنٍّ رسّامٍ راقصٍ طبّاخٍ فنّانٍ والكثير... المغنّي اكتشف صوته الجميل أثناء فترة ما وهو يجرّب ترديد أغنيته المفضلة... الرّسّام وجد نفسه يميل إلى إمساك الرّيشة وتشكيل ما يراه جميلاً بألوانٍ على لوحةٍ فنّيّة... لاعب كرة القدم اكتشف حبّه للكرة، للهجوم، للدّفاع، لوقفةٍ في المرمى في لحظةٍ ما... أمّا الكاتب... هل فكرتم قليلاً كيف بدأ هذه الهواية... كيف أصبح كاتباً... ليس ربع الكتّاب ولا نصفهم بل أغلبهم... اكتشفوا موهبتهم عندما بدؤوا كتابة مذكّراتهم اليوميّة... سواء كانت جميلة أو مأساويّة... جميعهم كانوا وحيدين... لم يجدوا من يسمعهم... ينصت إليهم... يضمّد جراحهم... يحنو على ضعفهم... يمسك بأيديهم... ولكن كانوا برغم ذلك أقوياء... تجدهم سنداً لمن حولهم... تجدهم أكثر النّاس إنصاتاً لهموم غيرهم... فقد فهموا المقاساة... تجدهم يد حانية على ظهور المتعبين... جرعة تفاؤلٍ للبائسين... ابتسامة في ثغر الحزينين... فرصة في دروب الضّائعين... يتّخذون دفترهم خليلاً... وحبر قلمهم صديقاً... يشكّلون من الأبجديّة لوحاتٍ في البلاغة... وباقاتٍ من المعاني الأنيقة... يترجمون أحزانهم تراكيبَ نثريّة على الصّفحات... ينزف القلم دموعهم حبراً على الأوراق... لذلك الكاتب يا أصدقائي ليس كغيره... الجميع اكتشفوا هواياتهم في السّراء إلا الكاتب اكتشفها في الضّراء... الجميع استحدثوا هواياتهم من العدم... لكن الكاتب استحدث هوايته من "الألم" ... فقط من الألم.
حنين يونس
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا