سورية الحدث الإخبارية
#لسنا_سوى_أحجاراً_في_جدار
يسُرُّني في هذهِ اللّيلةِ الماطرةِ أن أدعوَ أنهارَ أدَبِكُم الرّافدةَ لمحيطِ الأدبِ العالَميِّ، وهيَ في أوجِ قوّتِها تشحَنُها سيولُ الخيرِ طاقةً وخصوبةً،للالتفافِ حولَ طاولةِ الحوارِ لنَدُقَّ سَندانَ ألسنةِ المتبجّحينَ بمطرقةٍ من ثمانيةٍ وعشرينَ حرفاً تقدَحُ خنادقَ الانكسارِ بشرارٍ من مواهبِأقلامِكُم.
فلنبدأ بخيالٍ زارَ واقِعَ كلِّ بيتٍ عربيٍّ وعشعشَ بينَ رفوفِ أحلامنا المركونةِ على حوافِّ المستقبلِ: " يوتوبيا"، تفضّلي أُستاذَتي " نازك الملائكة".
" بدايةً أودُّ التّوجّهَ بالشُّكرِ نيابةً عن يوتوبيا، وتعقيباً على كلامِكَ، أحمُدُ اللهَ أنّي تمكّنتُ من الوصولِ في الوقتِ المناسبِ إلى طاولةِ الحوارِهذهِ، فكما تعلمونَ أحِبَّتي أنَّ استقلالَ أفكارِ المستقبلِ اليوتوبيِّ لحاقاً بذيولِ الواقعِ أمرٌ غايةٌ في الصّعوبةِ. أمّا فيما يتعلّقُ بالألسنةِ الّتيتهوى تحطيمَ المَلَكاتِ، فنحنُ نستخدِمُها في يوتوبيا لبناءِ جسورٍ نعبرُ عليها فوقَ الغيومِ بأحذيةٍ حِيكَت من نقاطِ الحروفِ شَفَقَةً عليها من زواياالحروفِ الحادَّةِ، فما رأيُ ميرينا بذلكَ عزيزتي نتالي؟".
________________________________________
" اسمحي لي أيّتُها الرّاحلةُ الحاضرةُ أن أركُنَ عقليَ وهلةً في إحدى زوايا يوتوبيا القاصية وأتكلّمَ نيابةً عن ميرينا، فأنا لا أُحِبُّ أن أوقِظَهامن رُقادِ ماضٍ مريرٍ إلى حاضرٍ أمَرّ، مروراً بمستقبلٍ شديدِ الحلاوة!. أمّا بعدُ، أُشاطِرُكِ الرّأيَ في قرارةِ قلبي، ولتَعْلَمي أُستاذتي أنَّ ماعَجزتُ عن فعلهِ في حياتي، فعَلَتهُ ابنةُ الكُتُبِ ميرينا، وعَبَرت ذاتَ يومٍ في يوتوبيا على متنِ قصائدِ نزارٍ والدّرويشِ الرّاقدَةِ بينَ ياسَمينِ الشّامِوقُبّةِ الأقصى. أتمنّى ألّا يكونَ مرورُها في يوتوبيا قد هزَّ سريرَ فَلَسطينَ الغافيةِ على حوافِّ الجُرحِ أُستاذَنا محمود؟!".
________________________________________
" بُنيّتي الكريمة، من تجربتي في الحياةِ أُخبِرُكِ: لا يُمكنُ للجُرحِ أن يوقِظَ جُرحاً، فقط الأحلامُ يُمكِنُها تشليعُ حوافِّ الجروحِ. قضيتُ سنينَعُمري أكتبُ من فَلَسطينَ لفَلَسطين، لم أسمع جواباً منها يوماً، كلُّ ما سمعتهُ المزيدُ من صرخاتِ المدافعِ، واستغاثاتِ النّساءِ، وغُشيِّ الأطفالِ،وتساقُطِ عُكّازاتِ الشّيوخِ وسطَ غرغرةِ الدّماء فيما تبقّى من مُتَنَفَّسٍ في الشّروخ بينَ جدرانِ الأقصى. سمعتُ أنَّ بينَكُم شابّاً يردُّ على مؤلَّفاتيبحروفٍ شهيّةِ المذاقِ، فليتفضّل ويُسمِعنا بعضاً ممّا لديه".
________________________________________
" لم يخطُر ببالي يوماً بعدَ أن لقّبني القُرّاءُ بالدّرويشِ أن أجلسَ في حضرةِ الدّرويشِ الأصلِ، لكنّي اعتدتُ انتزاعَ نفسي من أيِّ ورطةٍ أقعُفيها، فأنتَ معرفةٌ، وكُلُّنا نكراتٌ أمامَكَ، والنّكرة إذا أُضيفت لمعرفةٍ عُرِّفت، يمكِنُكَ مناداتي سليمان درويش. أمّا بعدُ، تخيّل معي أستاذيَالكريم، إذا ما نجحوا في تدميرِ الأقصى، أو هدمِ الكعبة مثلاً، أمُقتَنِعٌ أنتَ بزوالِهما؟! أتظنُّ أنَّ كُتُبَ التّاريخِ والكُتُبَ السّماويّةَ ستختزِلُهُما؟! بالطّبعِ لا، فقيمَتُهُما بقُدسيّتِهِما لا بهيكَلِهِما. وهكذا حالُ كتاباتِكَ، لا حاجةَ لفَلَسطينَ أن ترُدَّ عليها، الأهمُّ أنّها وصلَتها؛ انظُر إليها كيفَ تغفوضاحكةً على حافّةِ الجُرحِ، بخلافِ الشّامِ الجالسةِ بتعاسةٍ مدقعةٍ تحتَ ظلالِ الياسَمينِ عتباً على نظيرِكَ القبّانيِّ ".
________________________________________
" أيا سيّدةَ الدُّنيا يا شامُ، يا ياسمينةَ التّاريخِ وغصَّةَ الزّمانِ، أأنتِ غاضبةٌ منّي لأنّي اتّكأتُ عليكِ مكاناً لتجسيدِ جمالِ المرأةِ الشّرقيّةِ؟، أمتُراكِ عاتبةً عليَّ لأنّي أسقطتُ مكامنَ الجمالِ في ثنايا حاراتِكِ على قَدِّ الجميلاتِ ومحاسنِ السّيّداتِ؟! أقسِمُ لكِ بكِ أنَّكِ معيارُ الجمالِ الّذياعتمدتّهُ في وصفِهِنَّ واحدةً تلوَ الأُخرى، وكيفَ للجمالِ أن يُتَغَنّى بهِ دونَ مرجعٍ؟! ثمَّ أَلَم تسمعي ما قالَ أبو تمّامٍ يوماً: ما الحُبُّ إلّا للحبيبِالأوّلِ، وحُبّي لكُلِّ نساءِ الأرضِ يقبعُ قابَ قوسَينِ يلُفّانِكِ ضمناً. فلتنهَضي شآمي ولتُلامِسَ جبهَتُكِ عرينَ الشّمسِ، وَلنَدَع غَزَلَ النّساءِ لأهلِالصّنعةِ، ألا توافِقُني الرّأيَ يا ليثُ؟ ".
________________________________________
" عذراً منكَ أُستاذَنا نزارُ، فالأُنثى أُنثى قبلَ أن تتلحَّفَ الجمالَ صفةً، مقدودةٌ بالخُلقِ قبلَ أن تُظهِرَ الخَلقَ قَدّاً، تزدانُ بالعقلِ وتعلو بالعلمِ،عمودُ كُلِّ بيتٍ فقد خابَ من حجَّمَها نصفاً، إذا ما أحسنتَ تنشِئَتها أنشَأَت بالخيرِ أجيالاً، وإذا ما أهمَلتَها عاثَت في الأرضِ دماراً. أمّا عنجميلتي الّتي دجّجتُ بحُسنِها نصوصِي، وسلّمتُها البطولةَ رايةً، وألبستُها ثقتي ثوباً، فقد جسّدتُ بها صورةَ الأُنثى السّرمديّةِ الّتي لا وجودَلها إلّا في أكوامِ الرّمادِ، تنتظرُ مصادفةً سقوطَ عودِ ثقابٍ لتنهضَ من مَرقَدِها وتستعرَ نيرانُ جمالِ روحِها وحُسنِ مظهرِها في أرجاءِ الكونِ،وإلى ذلكَ الحينِ أتركُ للعميقةِ غادةَ المجالَ للغوصِ في خفايا ما رتَّلَتهُ نصوصُها من أنينٍ مُستترٍ خلفَ بُهرُجِ الكلماتِ".
د.أحمد علي
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا