جمود كبير يشهده قطاع المقاولات والبناء، على وقع قرار الحكومة الأخير برفع أسعار مادة الإسمنت، التي تعدّ العصب الرئيسي فيه، وفي صناعة الكثير من مواد البناء، فرفع سعر الإسمنت الأسود ليصبح ضعف سعره السابق، أي 125500 ليرة سورية للطن الواحد، و106500 ليرة للفرط (الدوكما)، يعني أول ما يعني شللاً كبيراً لقطاع يشكّل الرافعة الأساسية لإعادة الإعمار، فضلاً عن حجم ونوع فرص العمل التي يولّدها، فهو من أكثر القطاعات المساهمة في رفع معدلات التشغيل وامتصاص فائض العطالة.
ركود وضعف طلب
يشكو باعة الإسمنت، سواء بالجملة أم بالتجزئة، من ركود في مبيعات الإسمنت ناجم عن ضعف في الطلب، على الرغم من الحاجة الكبيرة للمادة في الأسواق، إذ يقول أحد التّجار إن المبيعات انخفضت لديه بنسبة تزيد على 40 بالمئة، فقد كان يصّرف في اليوم أكثر من 40 طناً، فيما لا يصّرف حالياً أكثر من 15-16 طناً، علماً أنه يتعامل مع العملاء والزبائن ذاتهم. فيما يؤكد بائع آخر أن سعر الطن بات للإسمنت الأخضر بـ195 ألف ليرة، ولإسمنت عدرا 185 ألفاً، وهي “ليست كلمة بالفم”، لأن الحديث هنا لا يجري عن مادة كمالية، أو أخرى يحتاجها صاحب البناء لمرة واحدة، فالإسمنت يرافقه من القواعد والأساسات وانتهاء بالسور الخارجي، إذن هو مضطر لإنفاق مضاعف على تكاليف الإسمنت وحدها، ناهيك عن كل مادة من مواد البناء التي يدخل في تركيبها، والقائمة هنا تطول.. وتطول!.
الحديد أيضاً
يشير مقاولون إلى أن ارتفاع أسعار الإسمنت أتى بالتزامن مع الارتفاع الجنوني في أسعار حديد التسليح، والتي لامست حافة المليوني ليرة للطن، وبالتالي أصبحت المشكلة مضاعفة، وزادت تكاليف البناء إلى الحدّ الذي بات معه من المتعذر بيع الشقق السكنية والمكاتب والمحال التجارية، التي من المتوقع أن ترتفع أسعارها بين 30-40%، وهكذا سيقلّ الطلب كلما ارتفعت هذه الأسعار، كما سيقلّ -بطبيعة الحال- تصريف الوحدات السكنية والتجارية على نحو ملحوظ. ويلفت هؤلاء الانتباه إلى ركود كبير سيطال القطاعات المرتبطة بقطاع البناء، فهناك مثلاً الأعمال والإنشاءات المعدنية والهندسية والكهربائية وأعمال البنى التحتية والمرافق والدراسات والاستشارات الهندسية وغيرها، ما يؤدي إلى انخفاض معدلات التشغيل، ويقلّل الطلب على العمالة الماهرة والعادية، مشيرين إلى وجود عطالة حالية بين المهندسين والمراقبين الفنيين وغيرهم.
تصدير مشروط
يقول أحد الخبراء إن قرار رفع أسعار مادة الإسمنت بنسبة 100%، وبحجة ارتفاع تكاليف الإنتاج في معامل قطاع العام التابعة لوزارة الصناعة، سيؤدي إلى انخفاض المبيعات من هذه المادة، وقلّة التصريف عبر مؤسسة “عمران”، كما سيؤدي إلى ارتفاع عام في أسعار العقارات. لكن وعلى الرغم من هذا الارتفاع، تبقى فرص التصدير متاحة للمنتج الوطني بسبب اختلاف سعر الصرف، شريطة الاستفادة من الميزة اللوجستية لسورية وتبسيط الإجراءات ذات الصلة.
الارتفاع الثاني
وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أصدرت القرار 2603، القاضي بتحديد أسعار مبيع الطن من مادة الإسمنت المعبّأ والفرط، والمنتج لدى المعامل والشركات التابعة للمؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء، وقالت الوزارة إن القرار جاء بناء على توصية اللجنة الاقتصادية، وعلى كتاب وزارة الصناعة في السادس عشر من الشهر الجاري المتضمن تكاليف الإنتاج. وسبق للوزارة أن رفعت، في آب الفائت، سعر الكيس الواحد (50 كيلوغراماً)، من 3200 ليرة إلى 3500 ليرة، ليصبح سعر الطن 70 ألفاً.
انعكاس جزئي!
يقلّل المدير العام للمؤسسة العامة للإسمنت المثنى السرحاني من انعكاس ارتفاع أسعار الإسمنت على حركة البناء والمقاولات، مبيناً أن هذا الانعكاس جزئي، لأن المشكلة تكمن أساساً في السوق الموازية (السوداء)، فمؤسسة (عمران) مثلاً تبيع الطن بـ125 ألف ليرة، لكنه يصل المستهلك النهائي بنحو 200 ألف، وتربح المؤسسة ثمانية بالمئة، أي نحو 10 آلاف ليرة لكل طن، فيما تربح (عمران) 15 بالمئة، حيث تكاليف النقل ومستلزمات الشحن لديها عالية، وأن تكلفة الإسمنت للمتر المربع الواحد الجاهز للبيع (على الهيكل)، لا تتجاوز 6500 ليرة، فيما تتنوع التكاليف الأخرى بين حديد تسليح ورمل وحصى ومواد بناء أخرى، إلى جانب الأيدي العاملة والتراخيص والنقل وغيرها الكثير.
وحول توزع السوق بين إسمنت القطاع العام ونظيره الخاص، قدّر السرحاني الإنتاج السنوي لأربعة مصانع تملكها المؤسسة (عدرا، حماة، طرطوس، الرستن)، بمليوني طن، متوقعاً إنتاج 2،4 مليون طن للعام المقبل، فيما تغطي شركة خاصة بقية حاجة السوق، دون وجود أرقام دقيقة حول الحصة السوقية لكل منهما، لافتاً إلى أن الإسمنت المحلي يُهرّب إلى دول الجوار، ما يسهم في ارتفاع أسعاره وقلّة المعروض في السوق.
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا