شبكة سورية الحدث


السنوات التسع بقلم الكاتبة سارة شباني

السنوات التسع بقلم الكاتبة سارة شباني

اذكر جيدا كل ما حصل في السنوات التسع تلك ،لقد صادفت تلك الحرب طفولتي وسرقتها مني...
أذكر جيدا ويستحيل أن أنسى كيف كنت أندهش حينما يتحدث من هم أكبر مني عمراً عن رحلاتهم مع أصدقائهم،كانوا دائماً يتحدثون عن جمال مناطق لم أعلم بوجودها ولم أرى اسمها سوى على الشريط الإخباري حينما كان ذلك الانتحاري يفجر نفسه بها ليلة الجمعة..
أذكر جيدا منذ ثمان سنوات حينما كنت في التاسعة من عمري كم كنت أحب "سالي" ، كنت انتظر مشاهدتها بفارغ الصبر لكن لسوء حظي كان موعد ظهورها على التلفاز يطابق موعد نشرة الأخبار المسائية، ما زالت جملة ابي عالقة في ذهني وهو يغير محطة التلفاز قائلاً "لاحقة على سالي" ، كان يقول لي ولإخوتي دعونا نرى كم من المصائب حل اليوم وكان بتلك الجملة يصيبني في صميم قلبي.
حينما كنت صغيرة كنت أحب مشهد الألعاب النارية كثيرا ، كم من المناسبات انتظرت لأراها، استغل ابي هذا الأمر محاولاً أن يعطيني الطمأنينة، فكان يقول لي عند سماع صوت الرصاص والقذائف : لمَ انت خائفة، تلك الألعاب النارية التي تحبين !
كلا ابي ، ارجوك لا تكذب ، فليس بوسع ما احب أن يقتل الناس و يحول البيوت إلى أنقاض!
كانت معلمتي تحدثنا دائما عن "مدينة الملاهي" تلك المدينة التي حلمت أن أذهب إليها مع صديقتي ولم نذهب ، لقد كان من الممكن أن تتحول هذه المدينة إلى مدينة الموت والقبور في غضون ثوان ، هذا ما قالته عائلتي و عائلتها...
كنت أحب فصل الربيع كثيراً ، كنت اتجرع الطاقة من الورود ، كم كنت أهوى منظر زهرة النرجس وتلك الوردة الجورية البيضاء ، لكن منذ أن طلبت امي مني و من اختي أن نقطف باقة ورود و نضعها قرب شاهد قبر شهيد حينا الأول أصبحت أشعر أن هنالك صلة وثيقة تجمع الأزهار بالموت ، أنا لا أحب الموت واخاف منه كثيرا ، وأصبح لدي نفس الشعور تجاه الورود والربيع .
كانت أمي كل صباح قبل ذهابي إلى المدرسة تقضي عشرة دقائق وهي تحذرني: إياك أن تأخذي شيئا من شخص غريب ، إياك أن تذهبي مع شخص غريب إن عرض عليك هذا ، كنت اسمع كلمة إياك قبل كلمة صباح الخير أحيانا.
والكثير الكثير من الذكريات التي لا تنتهي!
أنا لم أعش كل هذا بمفردي ، لقد عاشه معي جميع أطفال وشباب بلدي والعالم...
نحن نطلب منكم الآن هدنة ، هدنة أبدية...
كل أرض لصاحبها ، كل أب في منزله مع أولاده، كل طفل في مدرسته ...
كفاكم قتلاً ، كفاكم دماً و دماراً ...
دعونا نحول تلك الأنقاض إلى بيوت جديدة ، نشيدها بالحب والسلام بدلاً من الأعمدة والاسمنت ، صدقوني ستكون أكثر صلابة و ثباتاً...
لتجتمعوا و تتراضوا ...، لن تجتمعوا في مشرق الأرض ولا في مغربها ، لا في شمالها ولا في جنوبها ، فأنا أعلم أنه ما من أحد منكم سيتنازل ويغير مكانه، كل منكم يريد أن يكون سيد الموقف...
إذاً ما رأيكم أن نجتمع كلنا على سماع مقطوعة موسيقية ؟! لكن يمكن أن تتشاجروا عليها أيضا ولا تلبي اذواقكم جميعاً...
ما من شيء يجمعنا لكن رغم هذا باسم كل من في الأرض ، وباسمنا نحن الذين نعيش عمر الورود بين الأشواك بسبب جشعكم، كفى!
اجتمعوا في الأرض لمرة واحدة قبل أن تجتمعوا بين يدي ربنا في السماء ..
أسرعوا قبل فوات الأوان ...

التاريخ - 2020-01-10 1:59 PM المشاهدات 1177

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا