احتمالات مفتوحةرشا حمصيالفعل الأول: مسرحية تقف على رأس العالمتخلَّ عن حواسك وعن انفعالاتك، عطّلْ مراكزك العصبيّة، وأرخِ فاكَ وأشياءَ أخرى.هذه المنصّة ممتدّة بلا انتهاء، أرض رعناءُ ، وطقوس هوجاء، تفجّرت فيها عيون مالحة منذ آلاف السنين، والملح كان ماء، والماء كان الكون، والكون كان سكونًا، حتى ظهرت الألوان.يقف الزمن متفرّجا ساخطًا، يتخيّر وضعيّة القشّة ذاتها دون الباحث أو الإبرة، إذ لا فنّ تمكّن أن يمر عبر فوّهاته الضيقة، طبول الحرب خاصّتنا، تُصَوِّت، وتغنّي، وتلتذّ وحدها لنفسها.نعود بلا ضوء، لننسى وظيفة ارتخائنا الأثيرةَ، وننجز أعمالًا من تحت المنصّة، نعيد فيها حياكة سيرتنا الأولى بصلابة، ونحتجّ على لون التفاحة من جديد.الفعل الثاني: طفل وخلاصة جديدةفي اعتراض معاجم لغوية جمّة، لن يكون هناك سوى حلّ هزيل. كلّ شيء سيكتمل في هذه المسرحية.ولمّا قال ابن خلدون في مقدّمته عن جيل الحضارة والترف، وما تحيله الدعة من ميل للنعومة والسلام وفناء الدولة لم يصل فيما وصل إلى أوصاف جيل ينتزعون منه تسلسل أطواره، ويخلصون إلى طور عجيب.الولد في المنصّة لا يشبه أحدًا سواه. إنّه نفسه.الذي سيكون في حياة أخرى ندًّا له، الذي يتشهى موتك قبل أن يبلغ فطامه.آباؤكم ليسوا لكم.ولا آباء الحياة.الفعل الثالث: أهل الجَوَىوَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذقْتُهُ فعجبْتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُربطوا الموت والعشق إلى عقدة وثيقة، ولو أمكن المتنبيّ لأتى بالحبّ في فعل الموت ذاته.تدخل وحيدة إلى هذه المنصّة، وتَعِدُ جميع الذين يتوقون لمشهد الحبّ هذا أن ينتظروا روائحَ ورؤًى جديدة عنهم، لم يأتِ بها آخرُ إلى هنا.بوقت قصير تمضيه وحدها على المنصّة تتلهّى بفرك أصابعها، وتحنيك حلقها بسبابتها المحنّاة، والتمرّغ على الأرض كزواحف إفريقيا السوداء. ينتهي مشهد الحبّ بعد مجيئه بقليل، وهي تقضم زنده، ثمّ تميل نحو أحشائه بكثير من الحبّ والشهوة، وهو "مأكول الحبّ" يتحرّى عن اسم جديد له.الفعل الرابع: الفيل يا ملك الزمان لم يعاود الزمن بالإتيان بفيل الملك المدلّل الذي عاش حياة هانئة، وحاز على صمت الناس وقهرهم دون كثير عناء منه، ويبدو أنّ الفيلة زوجته كانت عقيمة، وأنّ من صمتوا قهرًا أكلوا فيما بعد 'ولو سرًّا' من لحم الفيل الطاغي بعد وفاته إلى جانب فيلته منتشيًا من ممارسة الحبّ على مرأى أهل القرية، حتى خلّصوا أنفسهم من أمد طويل في المهانة.يظهر الفيل وهو يتبختر بتأنٍّ أمامنا، إنّه مطواع، لكنّه ليس الفيل سالومون في مسيرته التي قادها ساراماغو بنفس طويل بعدما ذرفت الملكة دونيا كاتالينا دموعًا قليلات على رحيله إلى إسبانيا، حيث وليّ عهد الأرشيدوق ماكسيميليانو الثاني في انتظاره، وبعد عامين وافته المنيّة بعد أن رأى العالم. يظهر الفيل أمامنا على المنصّة، يقوده الفيال الذي يناظرنا متبسمًا دون خطوط واضحة على وجهه، الفيل لا يعبأ بوجودنا الدائم هنا، خصمه ذاك الرجل، وذاك الرجل خصمه نحن، المتربّصون لهفواته ولحنكته في ترويض المزيد من الفيلة الضخمة، وكم كنّا نتحيّن تلك اللحظة عندما يدرك الفيل أنّه من سلالة فيل الملك، ويستعيد سطوته على هذه المنصّة، ولم نعرف إلّا الآن أنّ الفيل لن يدهس الرجل، بل الرجل من سيدهس الفيل. حينما غزر سكينه في ظهره متأثّرًا بموجة التصفيق الشديدة.الفعل الخامس: حركة.. اثنتانتستمرّ ساعات سلفادور دالي في الذوبان البطيء النزق في لوحته الشهيرة، الزمن أو إصرار الذاكرة، الوحش الممدّد على أرض جزيرة كتالونيا ينضح بميوعته، وينفث رائحة واخزة. الزمن يتآكل على الساعة البرتقالية بجيش من النمل الأسود، وجذع الزيتون يتراخى كما لو أنّه قد أُنهك من ذاكرة ثقيلة جثت فوقه.لم يعد أحد هنا ليعوّل على مشاهد المسرحية، الحاضرون يرمقون بعضهم بعضًا، ولا يهمّ أحدًا أن يأتي، ليأخذ دور العاشق، أو الفيل أو الولد أوالقشّة.حركة اثنتان، ويعود كلّ إلى مأواه، لكنْ أحد ما لا يتوقّف عن حلمه، يفكّر الجميع من خلف المنصة. من استحقّ في حياته أنْ ينال درجة الخلود الموعودة.
التاريخ - 2019-07-07 6:25 PM المشاهدات 413
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا