شبكة سورية الحدث


إعادة الإعمار.. «أسطوانة الحكومـة المشروخة»

عندما تُحدث لدينا هيئات جديدة، يكون الهدف الأساسي لهذا الإحداث، هو أن تعمل كل هيئة باختصاصها ومهامها، لكن ومع الأسف الشديد، فإن معظم الهيئات التي أحدثت مؤخرا كان هدفها أن تُحدث لا أن تعمل.هيئة التطوير العقاري من الهيئات التي أحدثت في سورية عام 2008، وعلى الرغم من أهمية مفهوم التطوير الذي تبنته الهيئة بأبعاده الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية، إلا أنها كانت كغيرها من الهيئات التي انتظرت مجيء الحرب لتقول، إنها الحرب منعتنا من العمل.تطوير متعدد الجوانبلا ننكر أننا بحاجة هيئات ومؤسسات تعمل على تطوير الواقع العمراني اجتماعياً، فعندما أحدثت هيئة التطوير العقاري كانت الفكرة الأساسية من إحداثها هي المساهمة في حل أزمة السكن عبر تأمينه بسعر مناسب للفئات الاجتماعية كافة، خاصةً وأن سعر الأرض سيكون زهيداً مقارنةً بغيره من المناطق.ولنكن منصفين فلا بد من القول إن الإعمار لا ينضج ويزدهر في بيئة الحرب والدمار، إلا أن التأخير الحاصل في عمل شركات التطوير كان يتعلق بمجالات من الممكن العمل عليها خلال فترة الحرب، كي نكون على سكة الإعمار في اللحظة المناسبة.اليوم وبعد أن بدأ الحديث حول الإعمار يزداد ويكبر، استنهضت الحكومة همم شركات التطوير ودعتهم لاجتماع موسع، طروحات كثيرة ومشاكل كان من المفترض أن تكون منتهية منذ زمن كي تعرف الشركات مسارها الحقيقي وتكون على سكة الإعمار، ولكن أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا.عناوين فضفاضةعلى الرغم من أن الحكومة تثير ضجة كبيرة اليوم فيما يتعلق بموضوع الإعمار، إلا أن الإجراءات الإدارية الروتينية التي تواجه عمل هذه الشركات، جعلنا نتساءل عن أي إعمار يتحدثون؟!وما يثير الشفقة أن معظم المطورين تأملوا كثيرا باجتماعهم مع الحكومة، معلقين الآمال على هذا اللقاء كي يبدؤوا أعمالهم، متناسين أننا غالباً أمام وزارات تجتمع ولا تعمل. الحكومة لا تعرف القوانينيقول مالك شركة البرازي للتطوير والاستثمار العقاري حيان البرازي إن «الحكومة تخلط في القوانين التي يجب أن تطبق على المطورين»، متسائلا فيما إذا كانت قوانين التطوير العقاري ستبقى وحيدة أم سيتم دمجها مع قوانين المقاولين، خاصة في ظل رؤية عدد كبير من الشركات حول أن القانون رقم 51 هو قانون خاص بالمقاولين. ولفت البرازي إلى أنه لا يوجد شبه بين المطورين والمقاولين، بل عادة يقوم المطورون بتقديم أعمال إلى المقاولين. تعليمات ناقصةلم تكتمل التعليمات التنفيذية لقانون التطوير العقاري، وبدلا من أن يتم الاستفادة من أيام الحرب وسنواتها لترميم النقص، خاصة وأن العمل الفعلي على أرض الواقع كان غير متاح، تم تأجيل هذه الأمور كافةً حتى اليوم.ولم يوضح القانون رسوم نقابة المهندسين على الرغم من وجود مكاتب فنية بشركات التطوير العقاري، ولم يعلم المطورون فيما إذا كان يجب أن يتم الخضوع لنقابة المهندسين بالموقع العام أو بالكتل السكنية فقط. ولا بد من القول إنه حتى الآن لم تتبلور أساليب صحيحة في التعامل مع الشركات.  يقول مدير شركة «الاتحاد» للتطوير العقاري طلال الشيخ «لم تتم معاملتنا كشركات حتى اليوم، ومازال يُنظر إلينا على أننا أفراد أو شركات صغيرة». وكالات شهريةيضيف الشيخ: «نحن نملك شركتنا ولدينا مدراء، ونحتاج أحيانا أن يتم توكيل شخص معين بمتابعة الإجراءات، فيتم تنظيم هذه الوكالة لمدة شهر واحد فقط، وعندما تنتهي مدة الوكالة نضطر إلى تنظيم وكالة جديدة مرة أخرى، وكلما أردنا أن نصدق الوكالة نحتاج إلى موافقة أمنية تأخذ منا 15 يوما حتى تنتهي إجراءاتها، ومن الممكن أن نستخدم الوكالة التي أجريناها، ومن الممكن أن لا نستخدمها، وهو ما يعني أن مدة الوكالة تنتهي قبل استخدامها أحيانا، ونضطر إلى القيام بتنظيم واحدة جديدة مرة أخرى، الأمر الذي يعني أن الوقت الذي نحتاج فيه إلى العمل بالوكالة  يذهب في تنظيم وكالة جديدة. لذلك حاليا نقوم بإخراج وكالات لا نستفيد منها شيئا، فلماذا لا يتم تمديد مدة العمل بالوكالة إلى 6 أشهر مثلا».المحافظ تغير… «دبر راسك»على الرغم من أن فكرة التطوير العقاري تعد من الأفكار الحديثة نسبيا، إلا أنها لم تسلم من الروتين الإداري القديم والمتغلغل في مختلف الدوائر الحكومية.يتحدث مدير شركة كارتل يوسف زهر قائلاً: «عندما أردنا البدء بالتشييد والبناء أبلغونا في المحافظة عن وجود منطقة تنمية زراعية بجانب أرضنا، عندها أخذنا إضبارة المشروع إلى لجنة الخدمات وقدموا لنا اقتراحا لرفع المساحة الخضراء للشخص الواحد من (4 إلى 6) أمتار مربعة، ووافقنا أن تكون زيادة هذين المترين على حساب المطور، وعلى الرغم من نقصان مساحة الأمتار المطروحة للاستثمار وافقنا ولم يكن لدينا أي مشكلة».ويضيف زهر: «بعد أن قررنا البدء تغير محافظ ريف دمشق، فحاولنا استكمال الإجراءات الإدارية وإذ بموظف يقول لنا: المحافظ يلي كان معجب بمشروعك تغير روح دبر راسك». في حال موافقتكم! مدير آخر لإحدى الشركات رفض ذكر اسمه قال لـ «الأيام»: «اشترينا أرضا بتل منين، استغرقت إجراءاتنا سنة كاملة بين موافقة الزراعة، وموافقة الصرف الصحي وغيرها من إجراءات، والغريب أن الزراعة تخاطب وزارة الموارد المائية مثلا فتكتب على الكتاب الورقي سنوافق في حال موافقتكم، فترد الموارد المائية، نحن موافقون في حال موافقتكم، فنقضي أياما وأياما على هذه الحال». وتابع «لم تزل القوانين تقيد عمل الهيئة وتمنعها من أخذ دورها، فمن المفترض أن تكون الهيئة قادرة على أن تراسل وتحصل على الأجوبة، بالإضافة إلى ضرورة وجود نافذة واحدة لشركات التطوير العقاري، لأن الوضع الحالي يجعل موظفا واحدا في أي وزارة أن يتحكم بمشروع كامل، بالوقت الذي بدأت تعمل به هذه الشركات في الدول الأجنبية من خلال الإنترنت، فتنهي معاملاتها كاملة على شبكة الإنترنت». كما أشار عدد كبير من الشركات إلى أن مخططاتهم جاهزة وأبنيتهم مدروسة وكان من المفترض أن يتم البدء من أشهر، لكن العلاقة غير الواضحة بين الهيئة والوزارات أدت إلى عرقلة الانطلاقة. نخطط مرتينمصدر في إحدى شركات التطوير العقاري يعطي مثالا آخر عن التفاصيل التي ما زالت تعيق عملهم فيقول: «كان هناك بقعة محدودة من أرض كبيرة لشركتنا، وقد تم شراء كافة الأراضي التي تجاورها، إلا أن مالك تلك البقعة لم يرض أن يبيعها، بل تشبث بها، فطلبت الهيئة من إحدى الشركات أن نقوم بتخطيط الموقع العام على اعتبار أنها حصلت على تلك الأرض، وبعد الانتهاء من تخطيطها، لم يرض صاحبها أن يبيعها بل تمسك برأيه، وعلى الرغم من أن الشركة اقترحت دفع ثمن الأرض بالسعر الرائج، إلا أنه رفض أن يبيع، ما اضطرنا أن نخطط مرة أخرى، وبذلك نكون قد خططنا مرتين». مكان المياه مجهوليشير مدير شركة الاتحاد طلال الشيخ إلى نوع من العوائق الغريبة التي تعرقل عملهم، فيقول: لم يتم السماح لشركتنا بفتح آبار، بحجة أن المياه في الأرض التي سوف نطورها ضعيفة، فذهبنا إلى وزارة الموارد المائية وطلبنا مخططات للمياه الجوفية، فأجابونا بأن تلك المنطقة ليس لها مخططات للمياه الجوفية، فتساءلنا كيف عرفوا أن المياه في أرضنا ضعيفة وهم لا يملكون مخططات مياه جوفية؟!قمنا بعدها بإحضار لجنة إلى موقع العمل وقلنا لهم عثرنا على نبع وبإمكانكم أن تجربوا مياهه، وعلى الرغم من أنهم شربوا من مياهه إلا أننا لم نحصل على أي إجابة حتى اليوم. لا تنمية للريف مدير شركة «صكوك» المساهمة عامر أوغلي يتحدث من جانبه عن الحاجة إلى حلول لتنمية الريف، لكنه يرى بأن الطريقة التي تعمل عليها شركات التطوير العقاري لن تؤدي إلى تنمية الريف بالشكل المناسب، خاصة بعد أن تم تحديد مساحة لا تقل عن 100 دونم من أجل مناطق التطوير الريفية، مشيراً إلى وجوب الاعتماد على تنمية الريف بعدد محدد من الشقق السكنية وليس من خلال مساحات معينة خاصة، وأنه في بعض الأرياف لا تتطلب هذه المساحات الهائلة المحددة بحدها الأدنى بـ 100 دونم. مشيرا إلى أن الهدف الرئيسي للتنمية يجب أن يكون خدمة للطبقات الفقيرة والمتوسطة، من خلال تنفيذ مشاريع عمرانية صغيرة تتناسب واحتياجات كل منطقة. تغيير ثقافيقبل أن تتعرف الحكومة على مصطلح «التوسع الشاقولي» شهدنا عصورا قمنا بها بمد المدن أفقيا بشكل يتاخم البلدات الموجودة، الأمر الذي أدى إلى وجود مدن جديدة مشوهة تسمى عشوائيات، كان لنشأتها وتطورها عددا من الأسباب منها: ارتفاع أسعار المنازل، ورغبة العائلات بالعيش سوية إلى جانب بعضها البعض. مدير شركة كارتل سورية للتطوير العقاري يوسف زهر رأى أن تلك المدن المطورة عقارياً سوف تمنع هذا التوسع بالمخططات التنظيمية، الأمر الذي سيؤدي إلى منع سحب الخدمات القائمة في أي بلدة إلى المناطق الموسعة عشوائيا، ما يعني إلغاء المساحات الخضراء حول الوحدات الإدارية والتعدي على الأراضي الزراعية بالتوسع التنظيمي، لأن هذا التوسع لا يراعي ما إذا كانت الأراضي صالحة للزراعة أم لا. وأضاف زهر: «أما مناطق التطوير العقاري فيتم انتقاؤها من الصف الرابع بدليل تصنيف الأراضي، وهو ما يعني أن الأرض غير زراعية، وفي هذه الحالة سيؤدي ذلك إلى انخفاض سعر المنزل بشكل تلقائي نتيجة انخفاض سعر الأرض، وبهذه الطريقة تخرج الناس من ثقافة العيش بجانب بعضها بشكل متلاصق وتتغير ثقافة الناس». العمالة والبنوكبعد حرب طويلة غادر فيها عدد كبير من العمال والمهنيين إلى الخارج، أشار عدد كبير من الشركات إلى أنه يجب استدراك هذا النقص، إما بتدريب أياد عاملة ما زالت موجودة في الداخل، أو أن يتم استقدام تلك العمالة من الخارج. ورأى عدد كبير من تلك الشركات أن دور البنوك لم يزل ضعيفا، فعلى الرغم من تصريح حاكم مصرف سورية المركزي دريد درغام، خلال الاجتماع مع الحكومة أنه يوجد حوالي التريليون و800 مليار جاهزة للإقراض، إلا أن البنوك لم تأخذ دورها بعد لأنها متخوفة.خوف من التأخيرينص قانون التطوير العقاري على أن يتم ترك جزء من الأرض المطوّرة إلى الجهات الحكومية لأنها ملزمة ببناء المعابد والمستوصفات ومخافر الشرطة، وهنا تخوف عدد كبير من أصحاب الشركات، من أن تتأخر الحكومة كعادتها في بناء ما يخصها من منشآت، خاصة وأن هذا التأخير سينعكس على تخديم المنطقة بأكملها. وأوضح عدد من مدراء الشركات أن المشاريع الحكومية غالبا ما تتطلب اعتمادات، وتتنظر الموازنة المناسبة، مشيرين إلى أنهم قادرين على تشييد تلك المنشآت على نفقاتهم كي لا تتعرض المنطقة إلى أي تأخير.الهيئة متفائلةكعادة أصحاب القرار في مختلف الدوائر والهيئات الحكومية يحافظون على تفاؤلهم على الرغم من العقبات التي تواجه الآخرين، فقد تحدّث مدير هيئة التطوير العقاري أحمد الحمصي عن القانون الجديد الذي سيصدر قريبا، والذي سيتيح للمطورين البيع على المخطط بالتعاون مع عدد من البنوك، واعداً بتذليل العقبات الموجودة في القانون الحالي.وأما عن معاناة شركات التطوير فلا بد من أن تُحلّ يوما ما.من المؤسف أن نصل إلى نتيجة مفادها أننا لا نستحق أن نبدأ الإعمار، بعد كل الدمار الذي حل بنا، فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى إدارة واقعية ترى وتحلل وتنطلق من الواقع، كي لا يتحول عمل المطوّرين إلى عمل مصوّرين يحلمون ويتصورون في خيالاتهم بدلا من الإنجاز الواقعي.لجين سليمان 
التاريخ - 2018-08-06 6:51 PM المشاهدات 715

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا


الأكثر قراءةً
تصويت
هل تنجح الحكومة في تخفيض الأسعار ؟
  • نعم
  • لا
  • عليها تثبيت الدولار
  • لا أعلم