إن كنت تعاني من ازدحام المواصلات وهدر
وقتك في التنقلات اليومية بين أحياء مدينة دمشق أو مكان العمل ومنزلك، فهذه
المعاناة ستتضاعف بعد نهاية 2020، والواقع يقول بأن حلول الحكومة عبر
زيادة عدد باصات النقل الداخلي ليست إلا كمن يصب الزيت على النار، حيث
ستتفاقم الاختناقات داخل المدينة تدريجياً، إلى أن تنفجر مع اقتراب عام
2030، بيد أن الحل الوحيد المنتظر هو قطار الضواحي الذي تحدثت عنه وزارة
النقل مراراً، إلا أن الوزارة لا تملك الإرادة للتنفيذ خاصة أن ميزانية
سورية كلها لسنوات عاجزة عن تحمل تبعات التكلفة الخيالية.
تمتد محافظة ريف دمشق على مساحة تقدر
بحوالي 26 ألف كم2، وتحيط بمحافظة دمشق من كافة الجهات بحيث تشكل دمشق
المركز واللب لها، وبالتالي فإن العلاقة بين المحافظتين هي علاقة تبادلية
وثيقة جداً في مختلف جوانب الحياة، أما من الجانب الطرقي والمروري فإن
ضواحي مدينة دمشق تضم ثلاثة أرباع السكان وقوة العمل لمحافظة ريف دمشق،
فهناك أكثر من 140000 شخص من ريف دمشق، (أي ما يقارب ربع القوى العاملة)
مضطرين للتنقل يومياً إلى مدينة دمشق بدافع العمل. وبالمثل فإن نسبة كبيرة
من القوى العاملة لمدينة دمشق (حوالي 45000 من السكان) يأتون يومياً للعمل
في ريف دمشق في وظائف مختلفة.
دراسات لشركات يابانية وفرنسية من دون ثمار
تعددت الدراسات المرورية التي أجريت
لمدينة دمشق ومحيطها، ولعل أهمها دراسة الجايكا اليابانية 1998، حيث تم
فيها جمع العديد من البيانات والمسوحات المرورية لتقييم الوضع الراهن،
وتوقع ما سيكون عليه الطلب المستقبلي في عام 2020، وخلصت هذه الدراسة إلى
وضع مقترحات لتطوير شبكة النقل الشرياني تشمل تطوير طرق حلقية وتحديث الطرق
الشعاعية الموجودة، وفي عام 2002 وضعت محافظة دمشق وبمساعدة خبراء تابعين
لشركة FESTRAD-BECOM الفرنسية، دراسة جدوى اقتصادية لنظام النقل المشترك
لمدينة دمشق، وكان من مقترحات هذه الدراسة شبكة لخطوط المترو ضمن مدينة
دمشق. وكذلك قامت المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي بدراسة الجدوى
الاقتصادية لخط حديد القدم- مطار دمشق الدولي، واقترحت شبكة خطوط سكك
حديدية لتخديم الضواحي المحيطة، لكن أغلب هذه الحلول الطرقية والسككية لم
يوضع موضع التنفيذ بسبب عدم توفر التمويل اللازم، كما أن هذه الدراسات لم
تأخذ بعين الاعتبار التنسيق في التخطيط بين الريف والمدينة، ولم تعط مؤشرات
رقمية تعكس أهمية هذه الحلول وضرورة الإسراع بتنفيذها، بالمقابل شهدت
السنوات الأخيرة ازدياداً كبيراً في أعداد المركبات، وذلك نتيجة لصدور بعض
القوانين المشجعة لاقتناء السيارة ونتيجة للانخفاض النسبي لأسعار السيارات،
فقد تضاعف عدد السيارات تقريباً خلال السنوات الماضية. وبالنسبة لريف دمشق
فقد بلغ عدد المركبات المسجلة عام 2003 حسب المكتب المركزي للإحصاء 109153
مركبة، وازداد ليصبح 174897 مركبة عام 2009، مما ساهم في زيادة الضغط على
الشبكة المرورية.
قطار الضواحي الحل الوحيد على المدى البعيد
تبين من التعداد المروري، بحسب دراسة
بعنوان (تكامل منظومة النقل العام بين مدينة دمشق وضواحيها الجنوبية)،
للمهندسة وعضو الهيئة التدريسية في كلية الهندسة بجامعة دمشق هبة ديبو، أن
أعداد الشاحنات تكون كبيرة عند مداخل مدينة دمشق، وتصل نسبتها إلى 40% على
أوتوستراد دمشق- درعا، بالإضافة إلى المتحلق الجنوبي الذي يحمل أكبر عدد من
الشاحنات، وبعد فصل حركة الشاحنات على جميع الطرق الرئيسية التي تمرر نسبة
من الشاحنات، بالتالي انخفض الازدحام بنسبة تصل لـ 50-60%. ومن جهة أخرى
يبلغ عدد سكان ريف دمشق بعام 2010 حوالي 2 مليون نسمة ومن المتوقع أن يزداد
إلى 4 مليون نسمة خلال عشرين سنة القادمة، وسوف تتحمل الضواحي القريبة
معظم الزيادة السكانية، وهذه الزيادة ستترافق مع تزايد الطلب على النقل.
وبتحليل عدد وسائط النقل العام المتوفرة ومدى تلبيتها للزيادة المستقبلية
المتوقعة لعدد الرحلات نجد أنها ذات سعات قليلة لا تلبي الطلب على المدى
المتوسط (10 سنوات)، لذا تم اقتراح إدخال نظام باصات عالية السعة (161
راكباً). وبالتالي تعد حركة الشحن العابر والقاصد إلى دمشق والريف من أهم
أسباب هذا الازدحام خاصة على طريق درعا. ومن الحلول هي الانتقال التدريجي
نحو استخدام وسائط نقل عام ذات سعات كبيرة لربط مراكز مناطق الريف مع مدينة
دمشق ابتداءً من استخدام الباصات السريعة كواسطة نقل أساسية على المدى
القريب. لكن على المدى البعيد بحلول عام 2035؛ يصبح النقل الطرقي لوحده غير
قادر على تلبية الزيادة المتوقعة للرحلات، لذي كان لابد من التفكير بالنقل
السككي ذي السعة الكبيرة لتخديم بعض المراكز التي يلاحظ نمو الرحلات فيها
بشكل كبير، ومن تتبع عوامل النمو السكاني وقوة العمل كان عدد الرحلات على
طريق درعا، طريق السويداء، طريق المطار، طريق جرمانا عام 2015 نحو
256،487 ألف رحلة، ويتوقع أن تصل إلى 305،234 ألف رحلة في عام 2020، ثم
ستصل إلى 505،643 آلاف رحلة في عام 2035 على الخطوط المذكورة فقط، ويعتقد
أن العدد سيزداد بشكل أكبر من المتوقع بكثير مع التضخم السكاني. إلى ذلك
فإن فعالية النقل السككي إلى الضواحي والمناطق المحيطة بدمشق، لا يمكن أن
يأخذ دورها الفعال إلا بالتكامل مع شبكة خطوط المترو المقترحة داخل دمشق،
خصوصاً الخط الأخضر لميترو دمشق الذي يربط بين القابون والسومرية.
الحكومة تتحجج بآليات حفر الأنفاق
ترى المهندسة هبة ديبو أن إحياء أي تجمع
سكني كما كان مقررا بالقرب من مطار دمشق الدولي، أو إقامة وإعادة تفعيل أي
منطقة صناعية في ريف دمشق سيتطلب الأمر تخديمها بالمواصلات، فالحل الأمثل
لأزمة المواصلات والازدحام المروري لمدينة دمشق هو النقل السككي ومترو
دمشق، مضيفة: «لم أر مشكلة فنية تعيق تنفيذ قطار الضواحي، لكن المشكلة قد
تكون مادية، كما كانت حجة الجهات الحكومية بآليات حفر الأنفاق وتكاليفها،
إلا أنها حجة ضعيفة إذ أن المسلحين تمكنوا من حفر أنفاق بريف دمشق عجزت عنه
الحكومة».
يذكر شفيق داؤود رئيس قسم هندسة النقل
والمواصلات في كلية الهندسة بجامعة دمشق، أن السكك الحديدية تحتاج إلى
مهارات خاصة فهي أنظمة نقل تحتاج خبرات دقيقة، وضمن هيئة التخطيط الإقليمي
هناك رؤية لحل مشاكل النقل، وترجع مشكلة النقل في مدينة دمشق للتزايد
الكبير في الهجرة من الريف إلى المدينة، لعدم توفر الخدمات في الضواحي.
والمشكلة الأساسية الثانية هي النظام الشعاعي في موضوع النقل فعملياً كل
المواصلات تصب في وسط المدينة، ويسعى أن تعتمد الخطوط الحديدية كنظام نقل
يحل مشاكل النقل والمرور، فالتخطيط موجود لكن التنفيذ غير موجود. كما أن
هناك أهمية بتوضّع المحطات التبادلية بين أطراف المدينة والريف، وربط النقل
السككي بمترو دمشق الذي يشمل داخل المدينة، أولها الخط الأخضر من المعضمية
إلى القابون وهو مهم لوقوع غزارات كبيرة عليه، وخط آخر من الشمال إلى
الجنوب والغرب باتجاه الشرق، وما زلنا نستخدم التخطيط الشعاعي، لكن ما يلزم
مترو دمشق هو خط حلقي يصل بين المحطات التبادلية على أطراف المدينة..
يعتقد داؤود أن شبكة الطرق في دمشق كافية بالنسبة لعدد السيارات الموجودة
لكن المشكلة في مستوى خدمات الطرق، بالإضافة إلى الإشغالات الكبيرة بالنسبة
للشوارع، والفوضى المرورية حيث تشكل 30 إلى 40% من الأزمة، يضاف إلى ذلك
سيارات التكسي التي تدور فارغة طوال الوقت لعدم وجود مواقف خاصة بها،
والتراخي بالتنفيذ بسبب تبعيتها لجهات مختلفة مثل محافظة دمشق ووزارة
النقل.
الجايكا اليابانية حذرت من اختناقات مرورية
يضيف داؤد «هناك دراسة مع الجايكا
اليابانية 1998 وأنا كنت موجودا فيها، حيث جددت في عام 2008، وتوصلنا إلى
نتيجة بأن هناك اختناقات مرورية سوف تحصل إذا لم تتخذ إجراءات، وتم تنفيذ
بعض الأنفاق والجسور لكن غير كافية، إذا لم تأخذ توزيع الحركة على كامل
الشبكة بعين الاعتبار، وهناك ضرورة لكي يكون أنماط نقل مختلفة عن أنماط
النقل الطرقي، فإذا كان هناك قطارات سريعة تربط بين الضواحي والمدينة
ستختصر من ميزانية الوقت لتصبح حوالي ساعة واحدة، إلا أن كل الوزراء
والمسؤولين يحبون تحقيق نجاحات سريعة مثل تعبيد الطرقات، بينما السكك
الحديدية تحتاج إلى رؤية بعيدة، ومما يؤكد ذلك هو هدر 129 مليون ل.س على
قطار الربوة السياحي من أجل نزهة واحدة والتقاط صورة واحدة فقط للمسؤولين.
وبرأيي أنه ليس هناك إرادة لدى وزارة النقل للوصول إلى حل».
قطار الضواحي يصطدم بنهر من الصرف الصحي
بدوره يوضح حسنين علي مدير عام المؤسسة
العامة للخط الحديدي الحجازي أنه كان هناك خط من دمشق إلى عمان لنقل
البضائع من سورية إلى الأردن، في حين كانت بقية المحاور تقوم برحلات سياحية
باتجاه مصايف دمشق وباتجاه الزبداني والفيجة، أو مهرجان بصرى سابقاً،
وهذه المحاور أصبحت قديمة ويزيد عمرها على 100 عام، لذلك وضعت المؤسسة خطة
استراتيجية لهذه المحاور من خلال مشروع أطلق عليه اسم مشروع نقل الضواحي،
للاستفادة منها، حيث أطلقت 4 محاور؛ المحور الأول من دمشق إلى محطة القدم
وصولاً إلى السيدة زينب ومدينة المعارض ومطار دمشق دولي بطول 29 كم وفيه
دراسة جدوى اقتصادية مع دراسة تنفيذية. والمحور الثاني من دمشق إلى محطة
القدم إلى حوش بلاس داريا فالمعضمية وجديدة عرطوز وصولاً إلى قطنا. أما
المحور الثالث فيمتد من دمشق إلى صحنايا فالكسوة ثم دير علي، في حين أن
المحور الرابع يكون باتجاه دمر وقدسيا انتهاء بالهامة، حيث بدأ تنفيذ
الأجزاء الأساسية داخل مدينة دمشق منذ عام 2002 من خلال نفقين: الأول من
محطة الحجاز إلى محطة القدم بطول 5 كم ونسبة التنفيذ وصلت إلى 70% وذلك
لتفادي التقاطعات المرورية، إذ نتحدث عن قطار كهربائي تصل سرعته إلى160 كم
في الساعة، كما تواجه العمل كثير من العوائق مع الجهات الأخرى سواء وزارة
الكهرباء ومشاكل الصرف الصحي، إذ لدينا نهر من الصرف الصحي موجود في منطقة
البوابة، وهناك تقاطعات كثيرة تحتاج معالجة سواء مع الكهرباء أو مؤسسة
الصرف الصحي في محافظة دمشق. أما النفق الثاني فيمتد من الحجاز باتجاه
منقطة الربوة وتصل نسبة التنفيذ فيه إلى 65%.
نصف مليار دولار؟
يؤكد علي بأن التنفيذ لم يكتمل نظراً
للكلفة الهائلة، إذ تصل الكلفة التقديرية للمشروع نحو نصف مليار دولار،
ويتكامل المشروع مع مشروع الخط الأخضر أو مترو دمشق، إذ يتقاطع مع مشروع
نقل الضواحي في عدة مناطق، بحيث يساهم في نقل الركاب من ريف دمشق إلى وسط
دمشق ثم يتولى الخط الأخضر نقلهم داخل أحياء دمشق.
ويكمل علي بالقول: «اجتمع وزير النقل
مؤخراً مع عدة شركات صينية وروسية وإيرانية لإمكانية تمويل وتنفيذ المشروع،
كما تقدمت شركة إيرانية، (ميللي سخاتمان) بطلب يتضمن رغبتها بتمويل
المشروع، كما وضعنا محفزات كبيرة للشركات الأجنبية حيث يمكن لها أن تستثمر
المشروع لمدة محددة أو إقامة مجموعة استثمارات تجارية وسياحية، وحتى الآن
إذا لم يكن هناك عقد موقع بين طرفين لن نستطيع تحديد موعد للانتهاء من
التنفيذ، أما تكلفة محطة الربوة فإنها لم تتجاوز ربع الرقم المتداول،
والمحطة تعمل في يومي الجمعة والسبت حسب المخطط ولن نشغلها إلا في حال وجود
عدد ركاب جيد.
التاريخ - 2018-07-25 11:58 AM المشاهدات 842
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا