سمي الرئيس سعد الحريري، وتم تكليفه تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، ولم يكن ثمة من يتوقع سوى هذه النتيجة الحتمية كترجمة عملية للاتفاق الذي أوصل عون الى كرسي الرئاسة الاولى، وحتى الان ليس هناك أي توجه لدى اي قوة سياسية من القوى الاساسية المكونة للمجتمع السياسي اللبناني، برفض عودة الحريري الى السرايا الحكومية على صهوة الاتفاق الدولي -الاقليمي، الذي أرسى صفقة سياسية تقضي في شقها الآخر بايصال الحريري الى رئاسة السلطة التنفيذية كخطوة اولى على طريق عودته الى الزعامة السياسية...ولم يكن مفاجئاً موقف الكتلة الشيعية سياسيا على هذا الصعيد، من مبدأ الصفقات السياسية الثنائية، حيث باتت منطقية في مثل هذه المناخات والاجواء تقول مصادر في 8 اذار، حسابات الرئيس نبيه بري وكتلته النيابية المرتبطة بحصته السياسية على صعيد عدد وزرائه في الحكومة اولاً، وبحجم مؤازرته سياسياً لدى قانون الانتخابات النيابية ثانياً، بما يتيح له حصد العدد الاكبر من المقاعد في مناطق نفوذه، تمهيدا لعقد تحالفاته التي تتيح عودته الى رئاسة المجلس النيابي العتيد، وبالتالي حفظ حصصه المعهودة من الوظائف العامة والتعيينات في كل مؤسسات الدولة والدوائر الرسمية بما يكرّس استئثاره بالكوتا الوظيفية، والتي درج عليها منذ اوائل التسعينات مع وصوله الى رئاسة المجلس النيابي ودخوله آنذاك بما سمي في حينه بـ «الترويكا» وهي التسمية الملطفة للسلطة النفعية التي قامت يومذاك على ثلاثة أضلع هي رئاسات الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة، والتي تقاسمت السلطات ووزعت «منافعها» على المحسوبين والانصار بشكل تبادلي حفظ لأركانها الثلاثة البقاء في مناصبهم الى حين.وبما ان اجواء الصفقة السياسية الثنائية توحي حتى الان بتقاسم السلطة بين عون والحريري، فان بري الذي حافظ حتى الان، وبعد مرور 24 عاما على حصته من مردودات الحكم ومنافعه، يحاول الآن فرض استمرارية شركته في الحكم، على العهد الجديد في رأى المصادر، انطلاقا من مبدأ تعويم فكرة أن الجميع منغمس في الفساد والتحاصص وتقسيم منافع السلطة، وان النظريات التي يطلقها التيار الوطني الحر تحديدا في اطار مكافحة الفساد ليست سوى شعارات للاستقطاب الشعبي، فيما برأيه ان ممارسة أركان التيار في الحكم أثبتت بالملموس أنهم متعطشون أكثر من سواهم للتحاصص والتقاسم ومنغمسون في قضايا الهدر والفساد، وان الصفقة التي تمت مع سعد الحريري مؤخراً لم تكن الا على هذه القاعدة بالذات، وبالتالي فان رئيس المجلس يرى في نفسه المعبر الثاني الالزامي لانخراط العونيين في لعبة تقسيم الجبنة، وعلى هذا الاساس فإنه يعيد من جديد عباراته الشهيرة «من دخل السوق باع واشترى» و«اذا كان الموسم موسم تقاسم حصص فحصتي قبل حصة غيري، وعالسكين يا بطيخ».على هذا الاساس ولأن الرئيس عون الذي لا يستسيغ هذا النوع من التحاصص المفضوح، انسجاما مع طروحاته في «الاصلاح» و«التغيير» وانطلاقاً من عدم انسجامه كيميائيا مع بري طوال مسيرتيهما السياسيتين، فانه سيرفض هذا هذا النوع من «البازارات» التي ستخسره القسم الاكبر من مصداقيته السياسية والشعبية تؤكد المصادر، وهو ما سيؤدي الى دفع بري نحو التشبث بالمعارضة اكثر فأكثر، ولا سيما انه حصل على وعد «مبدئي» من قيادة «حزب الله» بأنهما معا في السراء والضراء، وهذا ما ترجمه الحزب عملياً ومباشرة باستئخاره موعد كتلة نواب الوفاء للمقاومة الى يوم الخميس بعد ان كان مقررا حضورهم الاربعاء، ليكونوا مع نواب «التنمية والتحرير» لتكون الرسالة واضحة اكثر الى كل من يعنيهم الامر، علما ان الرسائل في هذا السياق متعددة الوجوه وآخر وجه لها كان تصريح النائب علي فياض من عين التينة بـ «أننا والرئيس بري في مركب حكومي واحد».فحوى الرسالة السياسية يقوم على مبدأ إسماع من يجب ان يسمع، بأننا كما وقفنا بصلابة وعناد خلف حليفنا العماد عون وتوجناه رئيساً للجمهورية بشتى الوسائل فإننا سنبقى خلف حليفنا الاخر الرئيس نبيه بري ولن نسمح باستفراده او باقصائه من معادلة الحكم، وهي رسالة واضحة تضيف المصادر، ان الحزب ابلغها لعون من خلال الاطر الحزبية والقنوات التنسيقية بينهما، ومحورها اننا لن نكون مع حليف على حساب حليف آخر، وبالتالي فاننا كما رفضنا تأمين النصاب وفتح ابواب المجلس النيابي لسنتين ونصف السنة قبل «فرض» التوافق على عون رئيساً، فاننا سنرفض حتماً تأمين اي مشروعية ميثاقية لأي حكومة لن يكون نبيه بري أحد أضلعها الرئيسية، ولن نؤمن أي مشروعية لحكم سيستبعد احد حلفائنا الرئيسيين، مع التأكيد على اننا لا نسعى الى اثارة اي اشكال سياسي مع احد ولا مع اي قوة سياسية، ولكن على الآخرين ان يتفهمونا في هذا الموقف، والا يبنوا اي حسابات سياسية بمعزل عنه.من هنا يتبدى ان المرحلة القادمة في لبنان ستكون مرحلة اشتباك سياسي كبير ومتشعب، ولن يكون بمقدور عون المستعجل على تأليف حكومته الاولى لانطلاق عهده الرئاسي ان يفعل شيئا مع الحريري تقول المصادر، والذي سيصطدم بدوره بعقبات سياسية عديدة وكبيرة في عمليتي التكليف والتأليف لحكومة العهد الاولى ولا سيما انه يدخل الى حقل سياسي مدجج بالالغام التي ستنفجر به لدى دخوله وستعطل كل امكانية لتأليف اي حكومة ممكنة. فاذا تمكن سعد الحريري من تعطيل لغم بري عبر ارضائه فانه سيصطدم حكما بالمستحيلات المتعلقة بتشكيلة ونوعيات وانتماءات الثلث الضامن في التأليف، واذا تمكن من ذلك بفعل «السحرة» من الخارج والداخل، سيعود ليصطدم بفخ البيان الوزاري الذي تستغرق الحكومات العادية والمتفق عليها اشهرا طويلة في كتابته فكيف بحكومة ملغمة سلفا وجاهزة للتفجير عند اي مطب سياسي؟ ومع ذلك فاذا تمكن الحريري «بقدرة قادر» على تجاوز كل تلك الافخاخ، ووصل بحكومته الى طلب الثقة في المجلس النيابي فان كثيراً من النواب سيسألونه لدى مناقشة البيان الوزاري عن مقاربته للأزمة السورية وأزمات المنطقة عموما من اليمن الى العراق والبحرين والسعودية، وهذا بلا شك سيكون الصاعق الاخير الذي سيفجر الحكومة ويعيد الامور الى مربعها الاول.من هنا يتضح للقارئين في فنجان السياسة اللبنانية ان الوقت الفاصل عن الانتخابات النيابية المقرر اجراؤها بعد نحو سبعة اشهر لن يتيح للحريري تشكيلة حكومته، وبالتالي فانه اما ان يعتذر عن التكليف ويعيده الى رئاسة الجمهورية او انه سيبقى مكلفا حتى حصول الانتخابات النيابية التي ستفرز مجلسا جديدا، وهو ما يحتم اعادة الاستشارات النيابية الملزمة لاعادة تكليف رئيس جديد للحكومة، فهل سيكون هو من جديد؟ هذا السؤال هو الذي يفرض نفسه على كل المتابعين والمهتمين بالشأن اللبناني في استشراف المرحلة المقبلة، خاصة اذا ما اقترن بحقيقة باتت واضحة للجميع، وهي ان «حزب الله» بات معنياً باعادة تعويم زعامة الحريري للطائفة السنية، لأنه افضل من بدلائه المفترضين، وقيادة الحزب تريده شخصيا ولا تريد سواه لترؤس الحكومة العتيدة، ولكن... ليس بأي ثمن.
التاريخ - 2016-11-04 7:33 AM المشاهدات 689
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا