لطيفة اغباريةبعد انتشار الفيديو الإجرامي والمؤلم لعمليّة إعدام الطفل الفلسطيني التي تقشعر لها الأبدان، والذي يقدم فيه مجموعة من المسلحين على إعدام طفل في الثالثة عشرة من عمره “ذبحا” بسكين صغير، وهو يبكي طالبا الرحمة، وسط تشفي المسلحين وتعهدهم بذبح كل من هو مثله، في منطقة حندرات الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، لفت نظري تعقيبات العديد من المعقبّين على صفحات التواصل الاجتماعي بقولهم إنّهم أصبحوا “كفّارا”، وبعضهم قام بسبّ الذات الإلهيّة، وشتم كل من هو مسلم، لكن ما “ذنب” جميع المسلمين وتعميم تهمة الإرهاب عليهم، ثم التبرؤ منهم، وكأنّ هذا الحل الذي يريح ضميرهم.ندرك أنّ حجم الغضب ضدّ هذا السلوكيات العنيفة والإجراميّة ، هو أمر طبيعي ومشروع لمن يملك ذرّة من الضمير الحيّ، لكنّنا نتساءل هل يدرك من “أعلنوا” براءتهم من الإسلام، ما الذي قصدوه بكفرهم؟ وهل ظلموا أنفسهم، دون أن يقفوا وقفة تأمّل في مغزى ما يقولون، ونحن نسألهم وبالمناسبة أعرف العديد منهم وهم متابعون لما نكتب في هذه الصحيفة، هل مثل هذه الأقوال نابعة من فورة الغضب، أم من الخلخلة والشكّ في الموروث الديني بعدما دمّر بعض شيوخ الفتنة والطائفيّة أجيالا كاملة بفتاوى القتل، وليقوموا بأقصر ردّ عليهم، وأظنّ طريقة “متطرّفة” عندما يقولون نحن لا ننتمي لملّتكم، أي أنّ لسان حالهم يعترض على هذه الممارسات التي يتم نسبها بهتانا تحت راية الإسلام.باعتقادي لو عدنا للوراء قليلا، لفترة ما قبل هذه الحروب والأزمات، لاقتصر اهتمامنا على تفسير معنى الكفر والكافر، بأنّه الكفر الذي يناقض الإيمان، ويُخرج صاحبه من الإسلام، مع التأكيد على أنّ صحّة الإسلام لا تتمّ إلا باكتمال أركان الإيمان الستّة التي نعرفها جميعًا، لكن بعد أن طفت الفتاوى التكفيريّة على السطح، وأصبح الرجل والطفل يُذبحان كما “الدجاجة” لأسباب سياسيّة، وسط التكبير والتهليل، لمنح هذه الأفعال الصبغة الشرعيّة والدينيّة، انقلبت الموازين وأصبحنا نمضغ كلمة تكفيري مثل العلكة. قمتُ مؤخّرًا بالتوسّع والبحث في موضوع “الكفر والتكفير”، والتعمّق فيه حيث أقضي مؤخرا جلّ وقتي في مكتبة الجامعة، ولا أنكر أنّ بعض الفتاوى والجدل حولها، ووسائل التفنّن في تعذيب وقتل الكثير من الفلاسفة والعلماء لأسباب وخلافات سياسية بعضها مع الحكّام، قد سبّبت لي الصداع والاضطرار لتناول حبوب “الأكامول”، لأنّ تاريخ العنف هو المتداول للأسف، ولا نحاول تغييره بالجدل والتحدّي الفكري والإقناع بالتي هي أحسن.تعاليم الدين السمحة تؤكّد أنّ حرمة دم المسلم عند الله أعظم من هدم الكعبة، لكن لماذا قام الفقهاء بالتركيز وبصفّ أكثر من سبعين آية تتحدّث عن السلم والودّ وترك شؤون الآخرين، ونسخها بآية واحدة هي الآية الخامسة من سورة التوبة، وهي آية السيف، “واقتلوهم حيث ثقفتموهم”، والتي نزلت في فترة وسياق معيّن.مصطلح الكفر ومشتقاته من الضلال، تمّ ذكرها في القرآن الكريم 697 مرّة، دلالة على أهميّة هذا الموضوع عبر التاريخ وفي كل الحضارات والشعوب، يشمل تاريخ الإسلام أيضًا.الكفر وحسب المفهوم القرآني هو حالة نفسيّة تعتري الإنسان ، فيعاند الحقائق وهذه الحالة لا تقتصر على إنسان من ديانة معيّنة، لأنّ الحقيقة تطمس على عينيه، والرجل الكافر كما في اللغة هو الجاحد لأنعُم الله، مشتق من السّتر، وقيل لأنّه مغطّى على قلبه.نطرح هنا تساؤلا هامًّا يقلقنا باستمرار، وهو: أّيّهما يشكّل الخطر الأكبر على البشرية، الشخص الكافر أم التكفيري؟.لا أرغب التفصيل بالذات في هذا الشطر، لأنّ الموضوع مركّب، ولن ننقل الفتاوى فيه لكثرتها، ولتشعبّها، وقد يسيء البعض فهمها، عدا الأسباب الكثيرة وأهمّها إراقة الدماء والإرهاب الذي يُمارس من منطلق التصنيفات هذا “كافر”، وهذا “مؤمن”، دون أن نؤخذ بالحسبان أنّ هناك حالات يكون الشخص به “كافرا” وحتّى ملحدا لا يؤمن بوجود الله عز وجلّ، ثم يتوب، وهناك من قاموا بتأليف الكتب ووصف رحلتهم من الشك والإلحاد إلى الهداية والإيمان، وتأثر بهم الكثير. ما يقلقنا أكثر هو موضوع التكفير، ومن هو الشخص المؤهل لإصدار الفتاوى والحكم على الآخرين، وقد قرأنا القصص العجيبة من طرق تعذيب الكثير من الفلاسفة والمفكرين والعلماء، الذين كان لهم مساهمات أضاءت على البشرية؟ كيف تم تكفير بعضهم من منطلق خلافات وحسابات سياسيّة، فكانت أسهل طريقة للتخلص منهم هي اتهامهم بالكفر.وأخيرًا، كما نبغض الفكر التكفيري، فإنّه يزعجنا أن يقوم البعض بالاعتراض على هذا الإجرام من خلال التبرؤ من الإسلام، وكأنّهم يلقون بالتهمة عليه، وكان بالإمكان القول إنّهم يتبرؤون من هذه الأفعال، وممّن يقومون بها. فحتّى متى سنضع الإسلام وتعاليمه في قفص الاتهام والدفاع عنه، أمام أنفسنا وأمام الآخرين، كما الحال مع رئيس الشاباك السابق صرّح في القناة الثانية قائلا:” ليس كل المسلمين إرهابيين، ولكن كل الإرهابيين مسلمين”، متناسيا ممارسات وعنف قطعان المستوطنين، وحرق الطفل محمد الدوابشة، ومن هذا المنطلق فالإرهاب لا يعرف دين ولا مكان أو جنسيّة معيّنة، لكنّ ملّة الكفر واحدة.
التاريخ - 2016-07-22 7:59 PM المشاهدات 629
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا