سورية الحدث مرت الثروة الحيوانية السورية خلال السنوات الأخيرة بأزمات وظروف معقدة أدت إلى انخفاض في أعداد الحيوانات المجترة الصغيرة: (أغنام وماعز)، والكبيرة: (أبقار وجاموس وابل)، وأهم تلك الأزمات هي ما تبع الحرب على سورية من نقص في الموارد العلفية المحلية، ومنع الحيوانات من الوصول إلى المراعي الطبيعية المجانية، وتراجع إنتاج المحاصيل العلفية، ومخلفات المحاصيل، إضافة إلى أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف المركزة، وكانت العقوبات والصعوبات الاقتصادية والمالية التي نجمت عن الأزمة سبباً هاماً في تراجع إنتاج اللحوم الحمراء، وارتفاع أسعارها بشكل حاد، ما خلق صعوبة بالغة أمام المواطن في تأمين احتياجاته من تلك اللحوم!.مشاكل محليةتهيمن لحوم الأغنام على منتجات القطر من اللحوم، حيث شكّل إنتاجها لمتوسط الفترة 2000-2011 حوالي 72% من إجمالي اللحوم الحمراء المنتجة بالبلاد، تلتها لحوم الأبقار بنسبة 23.7%، ولحم الماعز 3.32%، أما لحم الجمال فبلغت نسبة الإنتاج منه من إجمالي اللحوم الحمراء 0.22%، ولحم الجاموس 0.14%، أما إنتاج لحم الدجاج فقد شكّل 40% من مجموع إنتاج القطر من اللحوم: (الحمراء+ الدجاج)، ولا يمكن إلقاء اللوم فقط على الأزمة التي نعيشها، فهناك الكثير من العوامل المحلية التي أبعدت اللحوم الحمراء عن موائدنا،وبرأي عبد الرحمن قرنفلة “المستشار الفني في غرفة الزراعة”، فإن إعطاء قطاع الإنتاج الحيواني، وخاصة التسمين، أهمية في السياسات الزراعية والاقتصادية يأتي في نهاية أولويات التنمية الزراعية، وعدم تفعيل مفهوم الزراعة الحيوانية، إضافة إلى توزيع المسؤوليات عن توفير اللحوم على جهات ومؤسسات عديدة في وزارات مختلفة لا يربط بينها تناسق، ناهيك عن أن الأبقار الموجودة في البلاد هي ثنائية الغرض، تنتج الحليب واللحم، كما أن الأغنام المحلية ثلاثية الغرض تنتج الحليب واللحم والصوف، بينما تتواجد في العالم عروق متخصصة بإنتاج اللحم تساهم بإنتاج أعلى، وقدرة على تحويل كميات أقل من العلف إلى كمية أكبر من اللحوم.تراجع وانخفاضاتجهنا بسؤالنا إلى الجمعية المختصة، والتي لخص لنا فيها أدمون قطيش، رئيس الجمعية الحرفية للحوم بدمشق، ارتفاع أسعار اللحوم بعدد من الأسباب: أولها موضوع الأعلاف، وارتفاع أسعارها بشكل كبير، إضافة إلى حصرها مع شخصين أو ثلاثة، وعدم تفعيل دور مؤسسة الأعلاف، ما أدى لخروج نسبة لا يستهان بها عن التربية، كذلك واقع العرض والطلب، ثم تكاليف الإنتاج، وفي مرحلة الأزمة حصل انخفاض كبير في حجم المعروض من اللحوم الحمراء نتيجة عوامل تفاعلت فيما بينها، منها التهريب الفائق الذي تعرّضت له الثروة الحيوانية بشكل عام، والأغنام بشكل خاص، وقيام العصابات الإرهابية بمنع وصول الأغنام والماعز إلى المراعي الطبيعية المجانية، وانخفاض مخلفات المحاصيل الحقلية التي تتغذى عليها الأغنام تقليدياً، وتراجع إنتاج مصانع إنتاج كسبة وقشرة القطن، وكذلك تراجع الإنتاج المحلي من الشعير، وانخفاض كمية العجول التي تخضع للتسمين، ومن جهة ثانية حدث ارتفاع كبير في كافة مدخلات الإنتاج، حيث حدث ارتفاع كبير في أسعار الأعلاف، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل بين المحافظات، ومما فاقم المشكلة ارتفاع وتيرة ذبح إناث الأغنام، وصغار إناث الأغنام /الفطائم/، والتي تشكّل الجذر الأساس للقطيع، ومن جهة أخرى شكّل تراجع واردات القطر من العجول والأغنام الحية انخفاضاً في حجم المعروض من اللحوم الحمراء، كذلك ساهم تقييد استيراد بدائل اللحوم الحمراء مثل لحوم الأسماك في زيادة الضغط على طلب اللحوم الحمراء.غش وتهريبحالات غش اللحوم موجودة وبنسب متباينة بين المحافظات والأسواق، يتم ضبطها بشكل يومي من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، إذ يلجأ بعض ضعاف النفوس من العاملين في السلسلة التسويقية للحوم إلى بعض التجاوزات والتلاعب، حسب ما ذكره محمد بسام درويش، عضو جمعية حماية المستهلك، ومن هذه الحالات التلاعب بوزن الحيوانات عند بيعها حية، أو اللجوء إلى إطعام الحيوانات كمية كبيرة من الملح لدفعها إلى شرب كميات كبيرة من المياه قبل البيع لتساهم في زيادة الوزن الحي عند البيع، كذلك التلاعب في نوعية الذبائح مثل بيع لحم الجاموس المستورد على أنه لحم عجل بقر بلدي، ولاسيما إذا كان المبيع جزءاً من الذبيحة، إضافة إلى بيع لحم الذبائح الهرمة والمنسقة تربوياً على أنها ذبائح لحيوانات فتية، الأمر الذي يجعل من العسير على المستهلك التفريق بين هذا كله ليقع فريسة ضعاف النفوس.يأتي تهريب الثروة الحيوانية من سورية ضمن إطار الحرب الاقتصادية التي يتعرض لها القطر، وقد ساهمت بعض الدول المجاورة في رفع وتيرة التهريب من حيث شراء الثروة الحيوانية السورية المهربة بأضعاف قيمتها الفعلية في سورية، وهذا ساهم في زيادة حدة التهريب في كافة الاتجاهات، كما أن العوامل الداخلية من نقص الأعلاف والأدوية البيطرية وإعاقة حركة الحيوانات والهجرة التي تعرض لها المربون من مناطق سكنهم ساهمت في تخلي عدد كبير منهم عن قطعانهم وبيعها بأسعار رخيصة، وهذا ساهم في تهريب معظمها إلى دول الجوار، فالتهريب مستمر على قدم وساق وبالمقابل يتم إدخال لحوم مهربة منتهية الصلاحية إلى سورية وبيعها في الأسواق، وهي معروضة ضمن البرادات في واجهات محلات اللحوم، وهذا مخالف للتعليمات التنفيذية، حيث يمنع وجود أكثر من 2 كيلو غرام في المحل.ختم حكوميفي نشراتها العديدة حرصت حماية المستهلك على تنبيه المواطن وإرشاده لمعرفة اللحوم السليمة الصالحة للاستهلاك البشري، هذا ما أكده محمد رجب، مدير مؤسسة استهلاكية في إحدى الضواحي، فوجود الختم الحكومي على الذبيحة أو على الجزء من الذبيحة ونوعية الختم أمر هام، كذلك يمكن التأكد من عمر الحيوان عن طريق لون اللحم، فكلما زاد لون اللحم في الاحمرار والدكانة كان العمر كبيراً، كذلك يمكن التأكد من درجة التعظم، فعظام الحيوانات الصغيرة أقل بياضاً ومن السهولة كسرها، في حين الحيوانات كبيرة العمر يكون العظم أبيض وقوياً أي متكلساً بشدة، وأيضاً الغضاريف في الحيوانات الصغيرة تكون طرية وغير متعظمة، أما في الحيوانات الكبيرة فتكون الغضاريف عظاماً صلبة، وأكد رجب على أن جميع الذبائح التي تخرج من المسالخ الحكومية إلى الملاحم ومنافذ بيع اللحوم لابد أن تحتوي على ختم، ووجود هذا الختم على الذبيحة يبعث عند المستهلك ارتياحاً وطمأنينة، حيث يشعر أن هذه الذبائح قد تم ذبحها في المسلخ، وتم الكشف عليها من قبل الطبيب البيطري قبل وبعد الذبح، وأنها خالية من الأمراض وصالحة للاستهلاك.تضاعف للمخالفاتمئات الضبوط التي تنظم بشكل شهري في جميع المحافظات دون استثناء لحالات الغش التي يتفنن بها التجار، حسب تصريح باسل طحان، مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية، فلا يوجد عدد محدد لهذه المخالفات التي ازدادت خلال سنوات الأزمة، والتي يتم التعاون مع المستهلكين في ضبطها، حيث يتم الجمع بين نوعين من اللحوم كلحم العجل واللحم المجمد أو لحم الجاموس، كذلك يعتبر تجاوز فرم 3 كيلو من اللحم ووضعه عند اللحام نوعاً من الغش، وعدم وجود الختم بالمسلخ وذبح إناث العواس يعتبر جريمة بحق الثروة الحيوانية، حيث يؤثر نقص عددها في عملية الولادة للأجيال القادمة منها، ويتم إجراء الضبوط وتنظيمها وإحالتها للقضاء، كذلك يتم اتخاذ الإجراء الإداري بالإغلاق من ثلاثة أيام إلى شهر حسب المخالفة، وفي ردّه على سؤالنا حول أبرز المخالفات التي يتم ضبطها، أجاب طحان، بأن ذبح اللحوم خارج المسلخ يحتل المرتبة الأولى لإخفاء مدى صلاحيتها صحياً للاستهلاك البشري، وهذه المخالفة تمر علينا بشكل يومي تقريباً، وكان آخرها ضبط حوالي 400 كيلو لحمة في محافظة اللاذقية غير صالحة للاستهلاك البشري، حيث يتم الكشف عن مدى صلاحيتها من قبل أخصائيين، كذلك كُثرت الشكاوى حول مخالفة التسعيرة وصورة اللحم الموضوع على واجهة المحل والتي يتم بيعها في الداخل، حيث يتم التعاون هنا بين المستهلك وبين وزارتنا لملاحقة المخالفين الذين تضاعف جشعهم خلال الفترة الراهنة، ليُرخصوا بصحة إخوتهم السوريين، في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون لأن نتلاحم ونحافظ على بعضنا البعض.مقترحات جديّةقرنفلة قدّم لنا جملة من الحلول الإسعافية للتغلب على نقص وغلاء اللحوم في الوقت الراهن، يأتي أولها تشجيع تأسيس شركات متخصصة بذبح الحيوانات وإنتاج وتحضير وتوزيع اللحوم عبر استيراد عروق حيوانية من الأبقار والأغنام مخصصة بإنتاج اللحم ولغايات الذبح حصراً وليس للتربية، ومنح تلك الشركات مزايا تفضيلية من حيث الإعفاء من الضرائب وغيرها، وتشجيع استيراد عجول وذكور أغنام حية جاهزة للذبح عبر تبادل منتجات نباتية محلية /خضار وفواكه/ أو الجلود الناتجة عن الذبائح، مع تلك العجول تلافياً لإمكانية انتقال الأمراض من خلال اللحوم المذبوحة، وضمان صحة تلك اللحوم، إضافة إلى الاستفادة من أجزاء الذبيحة القابلة للأكل ومن الجلود وما يمكن الاستفادة منه من مخلفات الذبح، وتشغيل المسالخ المحلية، وتشغيل وسائل النقل وغيرها من مفاصل السلاسل التسويقية، كذلك فإن تجسيد مفهوم تنوع قطعيات الذبيحة واختلاف الثمن على حسب القطعية يساهم في تشجيع استثمار كامل أجزاء الذبيحة، ويضمن ربحاً أعلى للمنتج وينصف المستهلك.منعكسات التهريب والاستيرادلا شك أن الإتجار باللحوم عبر الحدود والأقاليم الدولية بشكل عام يحمل مخاطر انتقال الأمراض الحيوانية بين دول العالم، هذا ما اتفق عليه قطيش وقرنفلة، إذ إن لتهريب اللحوم تأثيراً بالغ الخطورة على سلامة المستهلكين وعلى صحة الثروة الحيوانية المحلية، حيث يمكن أن تحمل تلك اللحوم المهربة مسببات مرضية للإنسان والحيوان، وهي لا تخضع لأي رقابة صحية من قبل السلطات البيطرية السورية، كما أنها تشكّل تهديداً خطيراً لنمو الإنتاج المحلي من اللحوم، حيث غالباً ما تكون اللحوم المهرّبة رخيصة القيمة لأسباب عدم خضوعها لأي تدابير وقائية ولا لرسوم اختبارات، كما أنها ترد من دول لديها فوائض في إنتاج اللحوم، والخطير في الأمر أن تلك اللحوم غالباً تكون مجهولة المصدر، وقد تكون فاسدة، أما استيراد اللحوم المجمدة فإن عملية استيراد أي منتج تشكّل دعماً مباشراً من جيوب المستهلكين المحليين لصالح المنتج الذي قام بتصدير ذلك المنتج إلينا، وبشكل عام يشكّل السلوك الغذائي للمواطنين في سورية معيقاً أمام التوسع باستيراد اللحوم المجمدة، كما أن الإجراءات البيطرية النافذة في سورية تشكّل حماية كبيرة تعيق تسرب أي لحوم مستوردة نظامياً إلى القطر ما لم تكن سليمة صحياً 100% ، وفي الحالات التي تمر بها الدول بنقص حاد في إنتاج اللحوم محلياً فإن الحل الأمثل هو استيراد حيوانات حية وذبحها محلياً بما يشكّل قيمة مضافة اقتصادياً لعملية الاستيراد، وفي ردّه عن وجود قرارات تشجّع على التصدير أكد لنا قطيش أن الجمعية قدّمت اعتراضات كثيرة لمنع التصدير، لكن الإجابة بأن الدراسات الاقتصادية تفرض ذلك، كان المبرر الوحيد من قبل الجهات المسؤولة.ميس بركات
التاريخ - 2016-06-18 4:17 PM المشاهدات 2348
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا