سورية الحدث - بقلم : الدكتور عفيف دلا ما من مجموعة حبال تعقد مع بعضها بشكل جيد ويسهل حل عقدتها، وبمقدار ما تكون العقدة متينة ووثيقة بقدر ما تدوم دون أن يصيبها وهن أو ضعف .. هكذا هي التحالفات السياسية ؛ بعضها وثيق الرباط فيما بينه وبعضها الآخر يقوم على ضعف في العقدة فيسهل فك هذا التحالف وتشتيته.وهناك عقد مخفية وأخرى ظاهرة ، فيظن البعض أن فك العقدة فيما بين علاقات بعض الدول أمراً يسيراً فيفاجأ بأنه قوي ووثيق ، ذلك أن المصالح الجامعة بينها تحولت بحكم الواقع إلى حاجات وضرورات استراتيجية ؛ فينعكس ذلك على متانة التحالف بينها خاصة إذا كان هناك نتائج ظاهرة ومتنامية لهذا التحالف ..هذا هو الحال اليوم بالنسبة للتكتلات المتصارعة في المنطقة وفي الساحة السورية فتحالف الولايات المتحدة مع دول الخليج وتركيا هو تحالف قوي لكنه قابل للحل لأن المصالح الجامعة لهذا التحالف لم تتحول إلى حاجات وضرورات استراتيجية بل بتنا نرى مؤخراً خلافات تطفو على السطح وتباينات في المصالح الاستراتيجية وفروقات في التكتيات المتبعة فيما بينهم الأمر الذي تحول إلى تقاذف في المسؤوليات واتجاه واضح نحو إعادة هيكلة التحالفات ذاتها وإيجاد تحالفات بديلة لبعضها ، ومثالاً على ذلك ما تقوم به الولايات المتحدة مع ما يسمى قوات سورية الديمقراطية التي تعتبر فصيلاً مناوئاً للنظام التركي لاعتبارات قومية وسياسية ، ورغم كل محاولات نظام أردوغان ثني الولايات المتحدة عن دعمها لهذا الفصيل إلا أنها باءت بالفشل ؛ وهذا معناه أن افتراقاً في المصالح قد حصل وبدأ بالتبلور بين حلفاء الأمس في هذا الصراع وبأن الولايات المتحدة شرعت فعلاً بإعادة هيكلة أدواتها في هذا الصراع واستخدام أوراقها البديلة قبل أن تصل إلى طريق مسدود مع الاستمرار في الرهان على أحصنة خاسرة في المنطقة.وفي الحقيقة ؛ إن ما نراه اليوم هو نتاج تعثر المشروع القائم على استخدام آلة الإرهاب في تحقيق أهدافه المأمولة وما يبنى عليها ، ونتيجة السياسة الروسية التي تعمل على فصل المسارات بين حلفاء العدوان وفك عقدة مصالحهم المترابطة وبالطبع إن هذا الدور لا يمكن لأي أحد من حلفاء سورية أن يلعبه سوى روسيا التي وحدها تتواصل اليوم مع الأمريكي من موقع الندية كقوة دولية كبرى وبالتالي التفاهم حول المصالح يتقاطع على مبدأ التناظر في القوة والفعل والحاجة إلى الوصول إلى تفاهم ما ؛ في حين أن غياب التناظر في القوة لا يتيح الوصول إلى تفاهمات لأن هناك انزياح في مستوى القوة والفعل لأحد الأطراف على حساب الأخرى، فالروسي اليوم يعمل بشكل براغماتي على كل المستويات لفصل المسارات حقاً مستفيداً من كل الأخطاء الحاصلة ونقاط الضعف الموجودة في معسكر الخصم عسكرياً وسياسياً وبالتالي مراكمة الأخطاء وإعادة توظيفها بشكل يخدم الأهداف الروسية وضمناً السورية كان خير وسيلة لفك عرى ذاك التحالف الذي بدأ فعلاً بالتلاشي ؛ ومن هنا نفهم بعض طروحات القيادة الروسية المتعلقة بالهدنة مع التنظيمات الإرهابية والتركيز على إسقاط فكرة التمييز بينهم على أساس الاسم فقط.مع الأخذ بالاعتبار بأن إضعاف عرى التحالف الأمريكي مع أطراف إقليمية في المنطقة لا يعني بالضرورة إنهاء الفعل الأمريكي في ساحة الصراع بل ربما هو تغير في شكل هذا التحالف واستبدال لبعض أدواته ومسمياته ؛ لكن مع ذلك كله فإن هذا يعتبر إنجازاً مهماً بالمعنى الاستراتيجي لأنه يعكس أولاً تبدلاً سيحصل عاجلاً أم آجلاً في موازين القوى المتصارعة وثانياً تغيراً في أولويات بعض السياسات الغربية المرتبطة بالصراع .. وبالتالي سنكون ربما أمام فرص حقيقية لحل ينهي الصراع وليس بالضرورة حلاً سياسياً يفصل على قياس بعض الأطراف الإقليمية على اعتبار أن الأداة الرئيسية التي كان يعول عليها في تحقيق المطلوب قد فشلت وأصبح من الواجب تغيير السياسة إذا لم تتغير الاستراتيجية بكاملها في المنطقة بمعنى ربما نكون أمام ساحة صراع مستجدة في المنطقة وعناوين صراع جديدة أيضاً لا بل وأخرطة جيوسياسية جديدة تقوم عليها تحالفات وتكتلات مستحدثة.
التاريخ - 2016-06-16 3:26 PM المشاهدات 648
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا