شبكة سورية الحدث


ماذا وراء هذا الغزل الاردوغاني المفاجئ لبوتين؟

سورية الحدث - عبد الباري عطوانتواجه تركيا وحكومتها هذه الأيام مآزق متفاقمة، فعلاقاتها مع معظم دول جوارها، إما متوترة أو سيئة، وينطبق هذا الحال على الجار الروسي، والحليف التاريخي الأمريكي، وفوقهما دول الاتحاد الأوروبي، ومن النادر أن تجمع دولة أو حكومة، كل هؤلاء الأعداء دفعة واحدة، حتى أن الرئيس رجب أردوغان بدأ يلجأ إلى افريقيا بحثاً عن أسواق وأصدقاء.تركيا تعيش حالياً حالة مزدوجة من العزلة والتهميش في وقت تتآكل فيه معجزتها الاقتصادية تدريجياً، ويضرب غول الإرهاب في عمقها، وتخسر حربها في سورية، دون أن تكسب العراق وايران، ويواجه حلفاؤها في الخليج، التي راهنت عليهم كفناء إقليمي، اتهامات بدعم الارهاب، وانكسارات كبيرة في اليمن، وتراجع في العوائد النفطية يهددها بالإفلاس، وتضطر لبيع أصول الدولة لتمويل حروبها.لا شك أن رجب طيب أردوغان يتحمل المسؤولية الأكبر لأنه هو صاحب القرار، قرار الصعود، وقرار الهبوط والانحدار، لأنه وضع كل السلطات في يديه عندما كان رئيساً للوزراء وزعيماً لحزب العدالة والتنمية، أو بعد أن انتقل إلى منصبه البروتوكولي الحالي كرئيس للدولة، ومن يعارضه داخل الحزب، فالطرد ينتظره، وخارج الحزب، فمصيره الاعتقال والسجن.لا نعرف كيف خسر الرئيس أردوغان روسيا دون أن يكسب أمريكا وأوروبا، أو يحافظ على الحد الأدنى من التحالف معها، ويطيح بأحمد داوود أوغلو، شريكه في كل مراحل الصعود إلى القمة، كحزب أو كدولة، ولكننا ندرك جيداً أنه ما كان سيصل إلى هذه النتيجة لولا الخطأ في الحسابات، والتفرد في الرأي، واتباع السياسات الخاطئة.***بالأمس كشفت الحكومة التركية من جانب واحد عن إرسال أردوغان رسالة تهنئة إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة اليوم الوطني لروسيا، عبر فيها عن أمله أن تكون هذه الخطوة هي الأولى في مسيرة تطبيع العلاقات بين البلدين وعودتها إلى المكانة التي تستحق، ولوحظ أيضاً أن بن علي يلدريم بعث برسالة "حارة" إلى نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف عكست التوجه نفسه.الرد الروسي على هذا الغزل التركي جاء بارداً، يذكّر برفض الرئيس الروسي كل محاولات نظيره التركي اللقاء به على هامش قمة المناخ في باريس في أواخر العام الماضي، لتسوية قضية إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حيث قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، أن روسيا تريد تطبيع العلاقات أيضاً، ولكن على تركيا اتخاذ الخطوات اللازمة، مكررة الشروط الروسية في هذا الإطار، وهي اعتذار تركي واضح، ودفع تعويضات، ومحاكمة الطيار الذي أطلق صواريخه على الطائرة الروسية، وهذا يعني أن رسالة التهنئة لم تعط مفعولها، لم تحنن القلب الروسي بعد.روسيا تعتبر أحد أبرز أربعة شركاء تجاريين لتركيا، حيث تعتمد الأخيرة اعتماداً كلياً على النفط والغاز الروسي، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 30 مليار دولار سنوياً، جرى الاتفاق على زيادته أثناء قمة روسية تركية في موسكو قبل أيام من سقوط الطائرة (24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي) على زيادته إلى مئة مليار دولار بوصول عام 2023، ولكن الرئيس أردوغان نسف كل شيء بإسقاطه الطائرة الروسية، والرد الروسي بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا.تطورات الأوضاع في سورية بدأت تنعكس سلباً على أردوغان وطموحاته العثمانية الامبراطورية، ولعل أخطرها صعود قوة الأجنحة السياسية والعسكرية الكردية ذات الطموحات الانفصالية، سواء في سورية أو في العمق التركي، وتمتعها، وعلى غير العادة، وفي لحطة تاريخية فارقة، بالدعمين الأمريكي والروسي معاً، وانعكاس هذا الخطر "إرهاباً" داخل تركيا، مما أدى إلى هز صورتها، وتدمير شبه كامل لصناعة لسياحة فيها التي تدر 36 مليار دولار سنوياً على الخزينة التركية.خياران رئيسيان مطروحان أمام الرئيس أردوغان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لبلاده وحزبه، ومكانته الشخصية:الأول: التفاوض، أو بالأحرى، العودة للمفاوضات مع حزب العمال الكردستاني ورئيسه المعتقل عبد الله أوجلان للتوصل إلى وقف إطلاق النار، واستئناف العملية السياسية للتوصل إلى حل سلمي.الثاني: العودة إلى الرئيس الأسد، وتخفيف حدة الاحتقان معه، واللجوء إلى لهجة تصالحية، والتخلي عن مطلب رحيله من السلطة.الخيار الثاني ربما يكون الأكثر ترجيحاً، لأنه الأقل كلفه، علاوة على كونه يشكل مفتاحاً رئيسياً لفتح أبواب موسكو المغلقة، وتطبيع العلاقات مجدداً معها، واستخدامها كورقة ضد الحليف الأمريكي "العاق"، وما يدفعنا إلى ذلك تصريحات يلدريم رئيس الوزراء التي وصف فيها الحرب في سورية بأنها عبثية، وأعرب فيها عن أسفه لتواصل سقوط الضحايا السوريين.***هناك بعض الخبراء الاستراتيجيين في تركيا يعتقدون أن عودة التحالف الأردوغاني مع الرئيس الأسد غير مستبعد لمواجهة "الغول الكردي" الذي يهدد الجانبين، فالأخير، أي  الرئيس الأسد، لا يحبذ قيام كيان كردي على طول الحدود السورية الشمالية، مثلما لا يشعر بالارتياح للدعم الأمريكي المتصاعد للأكراد كحليف غير عربي يمكن الوثوق به، ولكن أردوغان لم يعط أي مؤشرات ايجابية في هذا الصدد، وعاد قبل أيام إلى لهجته المتشددة السابقة بضرورة رحيل الأسد بعد صمت طويل، وهو ما رد عليه الأسد بهجوم اكثر شراسة، وغير مسبوق، ضد أردوغان، في خطابه في افتتاح مجلس الشعب حيث وصفه بـ"الفاشي والمتغطرس".لا يضيرنا أن نعيد التكرار والقول مرة اخرى، بأن أردوغان رجل براغماتي، ويمكن أن يقدم على مبادرات سياسية غير متوقعة تجاه خصومه، ورسالته إلى نظيره الروسي إحداها، وتحسين العلاقات مع اسرائيل مؤشر آخر، ولكن ما يفسد هذه البراغماتية في معظم الأحيان، حالة "النزق" وردود الفعل المتسرعة، مثل إسقاط الطائرة الروسية، او التهديدات المتواصلة لألمانيا لاعترافها بالإبادة الارمنية، ولأوروبا بفتح بوابات الهجرة مجدداً.تركيا تقف أمام تقاطع طرق مصيرية، ووحدتها الترابية والديموغرافية باتت على المحك، الأمر الذي يتطلب قرارات جريئة في الكثير من الملفات، فهل يقدم عليها الرئيس أردوغان في عملية إنقاذ شجاعة؟لا شيء مستبعد في السياسة.. وما علينا إلا الانتظار.رأي اليوم 
التاريخ - 2016-06-16 1:27 AM المشاهدات 851

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا