حصار القوات الكردية المدعومة امريكيا لمدينة منبج في ريف حلب انقلاب عسكري ميداني كبير في المشهد السوري في غير صالح المعارضة السورية و”الدولة الاسلامية” وخطوة كبرى على صعيد اقامة الحكم الذاتي للاكراد.. فهل يستمر الصمت التركي؟الحصار الخانق الذي تفرضه حاليا قوات سورية الديمقراطية على مدينة منبج الحدودية الاستراتيجية، بعد نجاحها في الاستيلاء على اكثر من مئة قرية في محيطها في ريف حلب، يوجه ضربة عسكرية ونفسية قوية لـ”الدولة الاسلامية” (داعش)، لان هذا الحصار يعني قطع معظم خطوط امدادها، ان لم يكن كلها مع تركيا.اللافت ان هذه الخطوة التي جاءت بدعم جوي وارضي امريكي، ومباركة روسية، يتزامن مع تقدم قوات سورية الديمقراطية نفسها في المناطق الشمالية المحيطة بمدينة الرقة، عاصمة هذه “الدولة”، وتواصل الهجوم الذي تشنه قوات الجيش العراقي، مدعومة بمليشيات الحشد الشعبي لاستعادة مدينة الفلوجة العراقية.خطورة هذا الحصار لا تتأتى من آثاره على المئات من مقاتلي تنظيم “الدولة الاسلامية” داخل مدينة منبج، وانما ايضا على عشرات الآلاف من المدنيين السوريين، الامر الذي سيجعل من ظروفهم المعيشية صعبة للغاية، وشبيهة بأقرانهم داخل مدينة الفلوجة.برت ماكغورك المبعوث الامريكي لسورية كان الاكثر احتفالا بهذا الانجاز الميداني على حسابه على “التويتر”، حيث لم يكتف بالتغريد حوله فقط، وانما اسهب بالقول بأن المدينة كانت مركز انطلاق هجوم عناصر “الدولة” الذين نفذوا هجمات ارهابية في اوروبا وخاصة في باريس وبروكسل.يشكل هذا “الانجاز″ العسكري الذي حققته قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية ضربة قوية ايضا لتركيا والرئيس رجب طيب اردوغان، لانه يعكس تصاعد قوة واهمية هذه القوات الكردية، التي تعتبرها الحكومة التركية ذراعا عسكريا لحزب العمال الكردستاني الانفصالي داخل الاراضي السورية، وخطورة كبيرة لتحقيق الطموحات الكردية في اقامة منطقة حكم ذاتي، تمتد على طول الحدود التركية الجنوبية داخل الاراضي السورية، وتشكل حاضنة للحزب المذكور وعناصره المقاتلة، وقاعدة انطلاق لعملياتها العسكرية ضد تركيا.في ظل هذا التقدم العسكري لقوات سورية الديمقراطية التي وضعت تركيا “فيتو” على مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تنتمي اليه، ويتزعمه صالح مسلم في مفاوضات جنيف، فان هذه المفاوضات ستؤجل، وربما لن تستأنف في المستقبل المنظور، فالحل العسكري بات يحظى بالاولوية المطلقة بالنسبة الى الدولتين العظميين، اي روسيا وامريكا، في الوقت الراهن، وهذا ما يفسر التصريحات الغاضبة التي ادلى بها اليوم رياض حجاب، المنسق العام للهئية العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية (معارضة الرياض) التي اكد فيها ان هذه المفاوضات وصلت الى طريق مسدود، بسبب ما وصفه، بتهرب النظام السوري من مناقشة عملية الانتقال السياسي، وتمسكه بتشكيل حكومة وحدة وطنية.ما لا يدركه السيد حجاب، او يدركه ويتعامى عنه، ان التطورات العسكرية الميدانية تؤكد خروج الامور من ايدي المعارضة السورية المسلحة، وممثليها السياسيين، والدول العربية وتركيا الداعمة لها، لمصلحة القوتين العظميين والسلطات السورية، وتطبيقا لتفاهمات الوزيرين جون كيري (امريكا)، وسيرغي لافروف (روسيا)، حول كيفية التعاطي في الملف السوري، وابرزها اعطاء الاولوية للقضاء على الجماعات الاسلامية “الجهادية” المتشددة مثل “الدولة” و”جبهة النصرة”، الى جانب “جيش الاسلام”، و”احرار الشام”، و”جيش الفتح”، والفصائل الاخرى المشابهة.اغلاق خطوط الامداد على الحدود السورية التركية المتواصل، اذا ما تم، سيغير المعادلات السياسية والعسكرية في المشهد السوري جذريا، ويبدو ان القوى الاقليمية التي تعتبر اللاعب الرئيسي في هذا المشهد، مثل تركيا وقطر والسعودية، وتلتزم الصمت هذه الايام، لان الامور بدأت تخرج من يدها كليا او جزئيا، والاولى الاكثر دقة.عبد الباري عطوان
التاريخ - 2016-06-12 9:37 PM المشاهدات 959
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا